للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يُعْلِمُهُ الْحَالَ، وَيَحُثُّهُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِ، فَرَحَلَ ثَامِنَ جُمَادَى الْأُولَى، وَنَزَلَ عَلَيْهِ فِي الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْهُ، فَحَصَرَهَا، وَضَايَقَهَا، وَقَاتَلَهَا بِالزَّحْفِ، وَهِيَ مِنَ الْقِلَاعِ الْمَنِيعَةِ عَلَى جَبَلٍ.

فَلَمَّا ضَاقَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ وَاشْتَدَّ الْحَصْرُ أَطْلَقُوا مَنْ عِنْدَهُمْ مِنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ يَزِيدُونَ عَلَى مِائَةِ رَجُلٍ، فَلَمَّا دَخَلُوا الْعَسْكَرَ أَحْضَرَهُمْ صَلَاحُ الدِّينِ وَكَسَاهُمْ، وَأَعْطَاهُمْ نَفَقَةً، وَسَيَّرَهُمْ إِلَى أَهْلِيهِمْ.

وَبَقِيَ الْفِرِنْجُ كَذَلِكَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَرْسَلُوا يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ، فَأَمَّنَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَسَلَّمُوهَا إِلَيْهِ، وَوَفَّى لَهُمْ وَسَيَّرَهُمْ إِلَى مَأْمَنِهِمْ.

وَأَمَّا صَيْدَا فَإِنَّ صَلَاحَ الدِّينِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ تِبْنِينَ رَحَلَ عَنْهَا إِلَى صَيْدَا، فَاجْتَازَ فِي طَرِيقِهِ بِصَرَفَنْدَ فَأَخَذَهَا عَفْوًا بِغَيْرِ قِتَالٍ، وَسَارَ عَنْهَا إِلَى صَيْدَا، وَهِيَ مِنْ مُدُنِ السَّاحِلِ الْمَعْرُوفَةِ، فَلَمَّا سَمِعَ صَاحِبُهَا بِمَسِيرِهِ نَحْوَهُ سَارَ عَنْهَا وَتَرَكَهَا فَارِغَةً مِنْ مَانَعٍ وَمُدَافِعٍ، فَلَمَّا وَصَلَهَا صَلَاحُ الدِّينِ تَسَلَّمَهَا سَاعَةَ وُصُولِهِ، وَكَانَ مُلْكُهَا حَادِيَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى.

وَأَمَّا بَيْرُوتُ فَهِيَ مِنْ أَحْصَنِ مُدُنِ السَّاحِلِ وَأَنْزَهِهَا وَأَطْيَبِهَا. فَلَمَّا فَتَحَ صَلَاحُ الدِّينِ صَيْدَا سَارَ عَنْهَا مِنْ يَوْمِهِ نَحْوَ بَيْرُوتَ وَوَصَلَ إِلَيْهَا مِنَ الْغَدِ فَرَأَى أَهْلَهَا قَدْ صَعِدُوا عَلَى سُورِهَا وَأَظْهَرُوا الْقُوَّةَ وَالْجَلَدَ وَالْعُدَّةَ وَقَاتَلُوا عَلَى سُورِهَا عِدَّةَ أَيَّامٍ قِتَالًا شَدِيدًا وَاغْتَرُّوا بِحَصَانَةِ الْبَلَدِ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى حِفْظِهِ.

وَزَحَفَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، فَبَيْنَمَا الْفِرِنْجُ عَلَى السُّورِ يُقَاتِلُونَ إِذْ سَمِعُوا مِنَ الْبَلَدِ جَلَبَةً عَظِيمَةً وَغَلَبَةً زَائِدَةً، فَأَتَاهُمْ مَنْ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْبَلَدَ قَدْ دَخَلَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى قَهْرًا وَغَلَبَةً، فَأَرْسَلُوا يَنْظُرُونَ مَا الْخَبَرُ وَإِذَا لَيْسَ لَهُ صِحَّةٌ، فَأَرَادُوا تَسْكِينَ مَنْ بِهِ فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ مِنَ السَّوَادِ.

فَلَمَّا خَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ أَرْسَلُوا يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ، فَأَمَّنَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَتَسَلَّمَهَا فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى مِنَ السَّنَةِ، فَكَانَ مُدَّةُ حَصْرِهَا ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ.

وَأَمَّا جُبَيْلٌ فَإِنَّ صَاحِبَهَا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْرَى الَّذِينَ سُيِّرُوا إِلَى دِمَشْقَ مَعَ مَلِكِهِمْ فَتَحَدَّثَ مَعَ نَائِبِ صَلَاحِ الدِّينِ بِدِمَشْقَ فِي تَسْلِيمِ جُبَيْلٍ عَلَى شَرْطِ إِطْلَاقِهِ، فَعَرَفَ صَلَاحُ الدِّينِ بِذَلِكَ، فَأَحْضَرَهُ مُقَيَّدًا عِنْدَهُ تَحْتَ الِاسْتِظْهَارِ وَالِاحْتِيَاطِ، وَكَانَ الْعَسْكَرُ حِينَئِذٍ عَلَى بَيْرُوتَ، فَسَلَّمَ حِصْنَهُ وَأَطْلَقَ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِهِ.

وَأَطْلَقَهُ صَلَاحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>