للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدِّينِ كَمَا شَرَطَ لَهُ، وَكَانَ صَاحِبُ جُبَيْلٍ هَذَا مِنْ أَعْيَانِ الْفِرِنْجِ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَالْمَكْرِ وَالشَّرِّ، بِهِ يُضْرَبُ الْمَثَلُ بَيْنَهُمْ، وَكَانَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُ عَدُوٌّ أَزْرَقُ، وَكَانَ إِطْلَاقُهُ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُوهِنَةِ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.

ذِكْرُ خُرُوجِ الْمَرْكِيسِ إِلَى صُورَ

لَمَّا انْهَزَمَ الْقُمُّصُ صَاحِبُ طَرَابُلُسَ مِنْ حِطِّينَ إِلَى مَدِينَةِ صُورَ أَقَامَ بِهَا وَهِيَ أَعْظَمُ بِلَادِ السَّاحِلِ حَصَانَةً، وَأَشَدُّهَا امْتِنَاعًا عَلَى مَنْ رَامَهَا، فَلَمَّا رَأَى السُّلْطَانَ قَدْ مَلَكَ تِبْنِينَ وَصَيْدَا وَبَيْرُوتَ، خَافَ أَنْ يَقْصِدَ صَلَاحُ الدِّينِ صُورَ وَهِيَ فَارِغَةٌ مِمَّنْ يُقَاتِلُ فِيهَا وَيَحْمِيهَا وَيَمْنَعُهَا فَلَا يَقْوَى عَلَى حِفْظِهَا، وَتَرْكِهَا وَسَارَ إِلَى مَدِينَةِ طَرَابُلُسَ.

فَبَقِيَتْ صُورُ شَاغِرَةً لَا مَانِعَ لَهَا وَلَا عَاصِمَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَوْ بَدَأَ بِهَا صَلَاحُ الدِّينِ قَبْلَ تِبْنِينَ وَغَيْرِهَا لَأَخَذَهَا بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ، لَكِنَّهُ اسْتَعْظَمَهَا لِحَصَانَتِهَا فَأَرَادَ أَنْ يُفْرِغَ بَالَهُ مِمَّا يُجَاوِرُهَا مِنْ نَوَاحِيهَا لِيَسْهُلَ أَخْذُهَا، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ حِفْظِهَا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا.

وَاتُّفِقَ أَنَّ إِنْسَانًا مِنَ الْفِرِنْجِ الَّذِينَ دَاخِلَ الْبَحْرَ يُقَالُ لَهُ الْمَرْكِيسُ، لَعَنَهُ اللَّهُ، خَرَجَ فِي الْبَحْرِ بِمَالٍ كَثِيرٍ لِلزِّيَادَةِ وَالتِّجَارَةِ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِمَا كَانَ مِنَ الْفِرِنْجِ فَأَرْسَى بِعَكَّا، وَقَدْ رَابَهُ مَا رَأَى مِنْ تَرْكِ عَوَائِدِ الْفِرِنْجِ عِنْدَ وُصُولِ الْمَرَاكِبِ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَضَرْبِ الْأَجْرَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا رَأَى أَيْضًا مِنْ زِيِّ أَهْلِ الْبَلَدِ، فَوَقَفَ وَلَمْ يَدْرِ مَا الْخَبَرُ، وَكَانَتِ الرِّيحُ قَدْ رَكَدَتْ.

فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ الْأَفْضَلُ إِلَيْهِ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فِي سَفِينَةٍ يُبْصِرُ مَنْ هُوَ وَمَا يُرِيدُ، فَأَتَاهُ الْقَاصِدُ فَسَأَلَهُ الْمَرْكِيسُ عَنِ الْأَخْبَارِ لِمَا أَنْكَرَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِكَسْرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>