للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَتَقَدَّمَ النَّقَّابُونَ إِلَى السُّورِ، فَنَالُوا مِنْ بَاشُورَتِهِ شَيْئًا. هَذَا وَمَلِكُهُمْ يُكَرِّرُ الْمُرَاسَلَاتِ إِلَيْهِمْ بِالتَّسْلِيمِ، وَيُشِيرُ عَلَيْهِمْ، وَيَعِدُهُمْ أَنَّهُ إِذَا أُطْلِقَ مِنَ الْأَسْرِ أَضْرَمَ الْبِلَادَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ نَارًا، وَاسْتَنْجَدَ بِالْفِرِنْجِ مِنَ الْبَحْرِ، وَأَجْلَبَ الْخَيْلَ وَالرَّجْلَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَقَاصِي بِلَادِ الْفِرِنْجِ وَأَدَانِيهَا، وَهُمْ لَا يُجِيبُونَ إِلَى مَا يَقُولُ وَلَا يَسْمَعُونَ مَا يُشِيرُ بِهِ.

وَلِمَا رَأَوْا أَنَّهُمْ كُلَّ يَوْمٍ يَزْدَادُونَ ضَعْفًا وَوَهْنًا، وَإِذَا قُتِلَ مِنْهُمُ الرَّجُلُ لَا يَجِدُونَ لَهُ عِوَضًا، وَلَا لَهُمْ نَجْدَةٌ يَنْتَظِرُونَهَا، رَاسَلُوا مَلِكَهُمُ الْمَأْسُورَ فِي تَسْلِيمِ الْبَلَدِ عَلَى شُرُوطٍ اقْتَرَحُوهَا، فَأَجَابَهُمْ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَيْهَا.

وَكَانُوا قَتَلُوا فِي الْحِصَارِ أَمِيرًا كَبِيرًا مِنَ الْمِهْرَانِيَّةِ، فَخَافُوا عِنْدَ مُفَارَقَةِ الْبَلَدِ أَنَّ عَشِيرَتَهُ يَقْتُلُونَ مِنْهُمْ بِثَأْرِهِ، فَاحْتَاطُوا فِيمَا اشْتَرَطُوا لِأَنْفُسِهِمْ، فَأُجِيبُوا إِلَى ذَلِكَ جَمِيعِهِ، وَسَلَّمُوا الْمَدِينَةَ سَلْخَ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنَ السَّنَةِ، وَكَانَتْ مُدَّةُ الْحِصَارِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَسَيَّرَهُمْ صَلَاحُ الدِّينِ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَوَفَّى لَهُمْ بِالْأَمَانِ.

ذِكْرُ فَتْحِ الْبِلَادِ وَالْحُصُونِ الْمُجَاوِرَةِ لِعَسْقَلَانَ

لَمَّا فَتَحَ صَلَاحُ الدِّينِ عَسْقَلَانَ أَقَامَ بِظَاهِرِهَا، وَبَثَّ السَّرَايَا فِي أَطْرَافِ الْبِلَادِ الْمُجَاوِرَةِ لَهَا، فَفَتَحُوا الرَّمْلَةَ، وَالدَّارُومَ، وَغَزَّةَ، وَمَشْهَدَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيُبْنَى، وَبَيْتَ لَحْمٍ وَبَيْتَ جِبْرِيلَ، وَالنَّطْرُونَ، وَكُلَّ مَا كَانَ لِلدَّاوِيَّةِ.

ذِكْرُ فَتْحِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ

لَمَّا فَرَغَ صَلَاحُ الدِّينِ مِنْ أَمْرِ عَسْقَلَانَ وَمَا يُجَاوِرُهَا مِنَ الْبِلَادِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى مِصْرَ أَخْرَجَ الْأُسْطُولَ الَّذِي بِهَا فِي جَمْعٍ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ، وَمُقَدَّمُهُمْ حُسَامُ الدِّينِ لُؤْلُؤٌ الْحَاجِبُ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالشَّجَاعَةِ، وَالشَّهَامَةِ، وَيُمْنِ النَّقِيبَةِ.

فَأَقَامُوا فِي الْبَحْرِ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ عَلَى الْفِرِنْجِ، كُلَّمَا رَأَوْا لَهُمْ مَرْكَبًا غَنِمُوهُ، وَشَانِيًا أَخَذُوهُ، فَحِينَ وَصَلَ الْأُسْطُولُ وَخَلَا سِرُّهُ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ سَارَ عَنْ عَسْقَلَانَ إِلَى الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ.

وَكَانَ بِهِ الْبَطْرَكُ الْمُعَظَّمُ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ أَعْظَمُ شَأْنًا مِنْ مَلِكِهِمْ، وَبِهِ أَيْضًا بَالْيَانُ بْنُ بِيرْزَانَ، صَاحِبُ الرَّمْلَةِ، وَكَانَتْ مَرْتَبَتُهُ عِنْدَهُمْ تُقَارِبُ مَرْتَبَةَ الْمَلِكِ.

وَبِهِ أَيْضًا مَنْ خَلُصَ مِنْ فُرْسَانِهِمْ مِنْ حِطِّينَ، وَقَدْ جَمَعُوا وَحَشَدُوا، وَاجْتَمَعَ أَهْلُ تِلْكَ النَّوَاحِي،

<<  <  ج: ص:  >  >>