عَلَيْهِ فَقَدْ صَارَ مَمْلُوكًا، فَبَذَلَ بَالْيَانُ بْنُ بِيرْزَانَ عَنِ الْفُقَرَاءِ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ.
وَسُلِّمَتِ الْمَدِينَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ السَّابِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَرُفِعَتِ الْأَعْلَامُ الْإِسْلَامِيَّةُ عَلَى أَسْوَارِهَا.
وَرَتَّبَ صَلَاحُ الدِّينِ عَلَى أَبْوَابِ الْبَلَدِ، فِي كُلِّ بَابٍ، أَمِينًا مِنَ الْأُمَرَاءِ لِيَأْخُذُوا مِنْ أَهْلِهِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِمْ، فَاسْتَعْمَلُوا الْخِيَانَةَ، وَلَمْ يُؤَدُّوا فِيهِ أَمَانَةً، وَاقْتَسَمَ الْأُمَنَاءُ الْأَمْوَالَ، وَتَفَرَّقَتْ أَيْدِي سَبًّا، وَلَوْ أُدِّيَتْ فِيهِ الْأَمَانَةُ لَمَلَأَ الْخَزَائِنَ، وَعَمَّ النَّاسَ.
فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِ عَلَى الضَّبْطِ سِتُّونَ أَلْفَ رَجُلٍ مَا بَيْنَ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ سِوَى مَنْ يَتْبَعُهُمْ مِنَ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ، وَلَا يَعْجَبُ السَّامِعُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْبَلَدَ كَبِيرٌ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنْ تِلْكَ النَّوَاحِي مِنْ عَسْقَلَانَ وَغَيْرِهَا، وَالدَّارُومِ، وَالرَّمْلَةِ، وَغَزَّةَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْقُرَى، بِحَيْثُ امْتَلَأَتِ الطُّرُقُ وَالْكَنَائِسُ، وَكَانَ الْإِنْسَانُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْشِيَ.
وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى كَثْرَةِ الْخَلْقِ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ وَزَنَ مَا اسْتَقَرَّ مِنَ الْقَطِيعَةِ، وَأَطْلَقَ بَالْيَانُ بْنُ بِيرْزَانَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ وَزَنَ عَنْهُمْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَبَقِيَ بَعْدَ هَذَا جَمِيعِهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يُعْطِي، وَأُخِذَ أَسِيرًا سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ آدَمِيٍّ مَا بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ، هَذَا بِالضَّبْطِ وَالْيَقِينِ.
ثُمَّ إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ رَعِيَّةِ إِقْطَاعِهِ مُقِيمُونَ بِالْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، فَيُطْلِقُهُمْ وَيَأْخُذُ هُوَ قَطِيعَتَهُمْ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ يُلْبِسُونَ الْفِرِنْجَ زِيَّ الْجُنْدِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُخْرِجُونَهُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْهُمْ قَطِيعَةً قَرَّرُوهَا، وَاسْتَوْهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ صَلَاحِ الدِّينِ عَدَدًا مِنَ الْفِرِنْجِ، فَوَهَبَهُمْ لَهُمْ، فَأَخَذُوا قَطِيعَتَهُمْ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَصِلْ إِلَى خَزَائِنِهِ إِلَّا الْقَلِيلُ.
وَكَانَ بِالْقُدْسِ بَعْضُ نِسَاءِ الْمُلُوكِ مِنَ الرُّومِ قَدْ تَرَهَّبَتْ وَأَقَامَتْ بِهِ، وَمَعَهَا مِنَ الْحَشَمِ وَالْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَلَهَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، فَطَلَبَتِ الْأَمَانَ لِنَفْسِهَا وَمَنْ مَعَهَا، فَأَمَّنَهَا وَسَيَّرَهَا.
وَكَذَلِكَ أَيْضًا أَطْلَقَ مَلِكَةَ الْقُدْسِ الَّتِي كَانَ زَوْجُهَا الَّذِي أَسَرَهُ صَلَاحُ الدِّينِ قَدْ مَلَكَ الْفِرِنْجَ بِسَبَبِهَا، وَنِيَابَةً عَنْهَا كَانَ يَقُومُ بِالْمُلْكِ، وَأَطْلَقَ مَالَهَا وَحَشَمَهَا، وَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الْمَصِيرِ إِلَى زَوْجِهَا، وَكَانَ حِينَئِذٍ مَحْبُوسًا بِقَلْعَةِ نَابُلُسَ، فَأَذِنَ لَهَا، فَأَتَتْهُ وَأَقَامَتْ عِنْدَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute