نُعَزِّيهِ بِأَخِيهِ، وَظَنَنَّا بِهِ الْحُزْنَ، وَلَيْسَ لَهُ أَخٌ غَيْرُهُ، وَلَا وَلَدٌ يَشْغَلُهُ عَنْهُ، فَإِذَا هُوَ فِي شُغُلٍ شَاغِلٍ عَنِ الْعَزَاءِ، مُهْتَمٌّ بِالِاحْتِيَاطِ عَلَى مَا خَلَّفَهُ.
وَهُوَ جَالِسٌ فِي خِيَامِ أَخِيهِ الْمُتَوَفَّى، وَقَدْ قَبَضَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أُمَرَائِهِ وَاعْتَقَلَهُمْ، [وَعَجَّلَ عَلَيْهِمْ] ، وَمَا أَغْفَلَهُمْ، مِنْهُمْ بَلْدَاجِيٌّ، صَاحِبُ قَلْعَةِ خُفْتِيذْكَانَ، وَأَرْسَلَ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ يَطْلُبُ مِنْهُ إِرْبِلَ لِيَنْزِلَ عَنْ حَرَّانَ وَالرُّهَا، فَأَقْطَعَهُ إِيَّاهَا، وَأَضَافَ إِلَيْهَا شَهْرَزُورَ وَأَعْمَالَهَا، وَدَرْبَنْدَ قَرَابِلِيِّ، وَبَنِي قَفْجَاقْ.
وَلَمَّا مَاتَ زَيْنُ الدِّينِ كَاتَبَ مَنْ كَانَ بِإِرْبِلَ مُجَاهِدَ الدِّينِ قَايْمَازْ لِهَوَاهُمْ فِيهِ، وَحُسْنِ سِيرَتِهِ فِيهِمْ، وَطَلَبُوهُ إِلَيْهِمْ لِيُمَلِّكُوهُ، فَلَمْ يَجْسُرْ هُوَ وَلَا صَاحِبُهُ عِزُّ الدِّينِ أَتَابِكْ مَسْعُودُ بْنُ مَوْدُودٍ عَلَى ذَلِكَ، خَوْفًا مِنْ صَلَاحِ الدِّينِ.
وَكَانَ أَعْظَمُ الْأَسْبَابِ فِي تَرْكِهَا أَنَّ عِزَّ الدِّينِ كَانَ قَدْ قَبَضَ عَلَى مُجَاهِدِ الدِّينِ، فَتَمَكَّنَ زَيْنُ الدِّينِ مِنْ إِرْبِلَ، ثُمَّ إِنَّ عِزَّ الدِّينِ أَخْرَجَ مُجَاهِدَ الدِّينِ مِنَ الْقَبْضِ، وَوَلَّاهُ نِيَابَتَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ أَجْمَعَ.
فَلَمَّا وَلَّاهُ النِّيَابَةَ عَنْهُ لَمْ يُمَكِّنْهُ، وَجَعَلَ مَعَهُ إِنْسَانًا كَانَ مِنْ بَعْضِ غِلْمَانِ مُجَاهِدِ الدِّينِ، فَكَانَ يُشَارِكُهُ فِي الْحُكْمِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ مَا يَعْقِدُهُ، فَلَحِقَ فِي مُجَاهِدِ الدِّينِ مِنْ ذَلِكَ غَيْظٌ شَدِيدٌ، فَلَمَّا طَلَبَ إِلَى إِرْبِلَ قَالَ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ: لَا أَفْعَلُ لِئَلَّا يَحْكُمَ فِيهَا فُلَانٌ، وَيَكُفَّ يَدِي عَنْهَا، فَجَاءَ مُظَفَّرُ الدِّينِ إِلَيْهَا وَمَلَكَهَا، وَبَقِيَ غُصَّةً فِي حَلْقِ الْبَيْتِ الْأَتَابِكِيِّ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى إِسَاغَتِهَا. وَسَنَذْكُرُ مَا اعْتَمَدَهُ مَعَهُمْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ مُلْكِ الْفِرِنْجِ مَدِينَةَ شِلْبَ وَعَوْدِهَا إِلَى الْمُسْلِمِينَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلَكَ ابْنُ الرَّنْكِ - وَهُوَ مِنْ مُلُوكِ الْفِرِنْجِ - غَرْبَ بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ، مَدِينَةَ شِلْبَ وَهِيَ مِنْ كِبَارِ مُدُنِ الْمُسْلِمِينَ بِالْأَنْدَلُسِ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، فَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى الْأَمِيرِ أَبِي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، صَاحِبِ الْغَرْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute