للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَمِعَ بَاقِي أَوْلَادِهِ بِذَلِكَ امْتَنَعُوا عَلَيْهِ، وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَتِهِ، وَزَالَ حُكْمُهُ عَنْهُمْ، فَسَارَ يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الزِّيَارَةِ، فَيُقِيمُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُدَّةً، وَيَنْتَقِلُ إِلَى الْآخَرِ، ثُمَّ إِنَّهُ مَضَى إِلَى وَلَدِهِ كَيْخَسْرُو، صَاحِبِ قُونِيَّةَ، عَلَى عَادَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ، وَلَقِيَهُ، وَقَبَّلَ الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَسَلَّمَ قُونِيَّةَ إِلَيْهِ، وَتَصَرَّفَ عَنْ أَمْرِهِ.

فَقَالَ لِكَيْخَسْرُو: أُرِيدُ [أَنْ] أَسِيرَ إِلَى وَلَدِي الْمَلْعُونِ مَحْمُودٍ، وَهُوَ صَاحِبُ قَيْسَارِيَّةَ، وَتَجِيءَ أَنْتَ مَعِي لِآخُذَهَا مِنْهُ، فَتَجَهَّزَ وَسَارَ مَعَهُ، وَحَصَرَ مَحْمُودًا بِقَيْسَارِيَّةَ فَمَرِضَ قَلْج أَرَسَلَانَ، وَتُوُفِّيَ عَلَيْهَا، فَعَادَ كَيْخَسْرُو، وَبَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَوْلَادِ عَلَى الْبَلَدِ الَّذِي بِيَدِهِ.

وَكَانَ قُطْبُ الدِّينِ صَاحِبُ أَقْصَرَا وَسِيوَاسَ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ مِنْ إِحْدَى الْمَدِينَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى يَجْعَلُ طَرِيقَهُ عَلَى قَيْسَارِيَّةَ، وَبِهَا أَخُوهُ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودٌ، وَلَيْسَتْ عَلَى طَرِيقِهِ إِنَّمَا كَانَ يَقْصِدُهَا لِيُظْهِرَ الْمَوَدَّةَ لِأَخِيهِ وَالْمَحَبَّةَ لَهُ، وَفَى نَفْسِهِ الْغَدْرُ، فَكَانَ أَخُوهُ مَحْمُودٌ يَقْصِدُهُ وَيَجْتَمِعُ بِهِ.

فَفِي بَعْضِ الْمَرَّاتِ نَزَلَ بِظَاهِرِ الْبَلَدِ عَلَى عَادَتِهِ، وَحَضَرَ أَخُوهُ مَحْمُودٌ عِنْدَهُ غَيْرَ مُحْتَاطٍ، فَقَتَلَهُ قُطْبُ الدِّينِ، وَأَلْقَى رَأْسَهُ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَأَرَادَ أَخْذَ الْبَلَدِ فَامْتَنَعَ مَنْ بِهِ مِنْ أَصْحَابِ أَخِيهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ سَلَّمُوهُ إِلَيْهِ عَلَى قَاعِدَةٍ اسْتَمَرَّتْ بَيْنَهُمْ.

وَكَانَ عِنْدَ مَحْمُودٍ أَمِيرٌ كَبِيرٌ، وَكَانَ يُحَذِّرُهُ مِنْ أَخِيهِ قُطْبِ الدِّينِ (وَيُخَوِّفُهُ، فَلَمْ يُصْغِ إِلَيْهِ وَكَانَ جَوَادًا) ، كَثِيرَ الْخَيْرِ وَالتَّقَدُّمِ فِي الدَّوْلَةِ عِنْدَ نُورِ الدِّينِ. فَلَمَّا قَتَلَ قُطْبُ الدِّينِ أَخَاهُ قَتَلَ حَسَنًا مَعَهُ، وَأَلْقَاهُ عَلَى الطَّرِيقِ، فَجَاءَ كَلْبٌ يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِهِ.

فَثَارَ النَّاسُ وَقَالُوا: لَا سَمْعًا وَلَا طَاعَةً، هَذَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، وَلَهُ هَا هُنَا مَدْرَسَةٌ، وَتُرْبَةٌ، وَصَدَقَاتٌ دَارَّةٌ، وَأَفْعَالٌ حَسَنَةٌ، لَا نَتْرُكُهُ تَأْكُلُهُ الْكِلَابُ، فَأَمَرَ بِهِ فَدُفِنَ فِي مَدْرَسَتِهِ. وَبَقِيَ أَوْلَادُ قَلْج أَرَسَلَانَ عَلَى حَالِهِمْ.

ثُمَّ إِنَّ قُطْبَ [الدِّينِ] مَرِضَ وَمَاتَ، فَسَارَ أَخُوهُ رُكْنُ الدِّينِ سُلَيْمَانُ صَاحِبُ دُوقَاطَ إِلَى سِيوَاسَ، وَهِيَ تُجَاوِرُهُ، فَمَلَكَهَا، ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إِلَى قَيْسَارِيَّةَ وَأَقْصَرَا، ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>