وَمَنْ مَعَهُ قَدْ تَعِبُوا وَأُعْيُوا، وَكَانَ الْخَطَا أَضْعَافَ أَصْحَابِهِ، فَقَاتَلَهُمْ عَامَّةَ نَهَارِهِ، وَحَمَى نَفْسَهُ مِنْهُمْ، وَحَصَرُوهُ فِي أَنْدَخُوِي، فَجَرَى بَيْنَهُمْ فِي عِدَّةِ أَيَّامٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَصَافًّا مِنْهَا مَصَافٌّ وَاحِدٌ كَانَ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى الْغَدِ بُكْرَةً، ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ سَيَّرَ طَائِفَةً مِنْ عَسْكَرِهِ لَيْلًا سِرًّا، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَيْهِ بُكْرَةً كَأَنَّهُمْ قَدْ أَتَوْهُ مَدَدًا مِنْ بِلَادِهِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ خَافَهُ الْخَطَا، وَقَالَ لَهُمْ صَاحِبُ سَمَرْقَنْدَ وَكَانَ مُسْلِمًا، وَهُوَ فِي طَاعَةِ الْخَطَا، وَقَدْ خَافَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ إِنْ هُمْ ظَفِرُوا بِشِهَابِ الدِّينِ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَا تَجِدُونَهُ قَطُّ أَضْعَفَ مِنْهُ لَمَّا خَرَجَ مِنَ الْمَفَازَةِ، وَمَعَ ضَعْفِهِ وَتَعَبِهِ وَقِلَّةِ مَنْ مَعَهُ لَمْ نَظْفَرْ بِهِ، وَالْأَمْدَادُ أَتَتْهُ وَكَأَنَّكُمْ بِعَسَاكِرِهِ، وَقَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ، وَحِينَئِذٍ نَطْلُبُ الْخَلَاصَ مِنْهُ فَلَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَالرَّأْيُ لَنَا الصُّلْحُ مَعَهُ، فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ فِي الصُّلْحِ.
وَكَانَ صَاحِبُ سَمَرْقَنْدَ قَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ وَعَرَّفَهُ الْحَالَ سِرًّا، وَأَمَرَهُ بِإِظْهَارِ الِامْتِنَاعِ مِنَ الصُّلْحِ أَوَّلًا وَالْإِجَابَةِ إِلَيْهِ أَخِيرًا، فَلَمَّا أَتَتْهُ الرُّسُلُ امْتَنَعَ، وَأَظْهَرَ الْقُوَّةَ بِانْتِظَارِ الْأَمْدَادِ، وَطَالَ الْكَلَامُ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ الْخَطَا لَا يَعْبُرُونَ النَّهْرَ إِلَى بِلَادِهِ، وَلَا هُوَ يَعْبُرُهُ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَرَجَعُوا عَنْهُ وَخَلُصَ هُوَ وَعَادَ إِلَى بِلَادِهِ، وَالْبَاقِي نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ.
ذِكْرُ قَتْلِ طَائِفَةٍ مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ بِخُرَاسَانَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَصَلَ رَسُولٌ إِلَى شِهَابِ الدِّينِ الْغُورِيِّ مِنْ عِنْدِ مُقَدَّمِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ بِخُرَاسَانَ بِرِسَالَةٍ أَنْكَرَهَا، فَأَمَرَ عَلَاءَ الدِّينِ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي عَلِيٍّ مُتَوَلِّيَ بِلَادِ الْغَوْرِ بِالْمَسِيرِ فِي عَسَاكِرَ إِلَيْهِمْ وَمُحَاصَرَةِ بِلَادِهِمْ، فَسَارَ فِي عَسَاكِرَ كَثِيرَةٍ إِلَى قُهِسْتَانَ، وَسَمِعَ بِهِ صَاحِبُ زَوْزَنَ، فَقَصَدَهُ وَصَارَ مَعَهُ وَفَارَقَ خِدْمَةَ خُوَارِزْمَ شَاهْ، وَنَزَلَ عَلَاءُ الدِّينِ عَلَى مَدِينَةٍ قَايِنَ، وَهِيَ لِلْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَحَصَرَهَا وَضَيَّقَ عَلَى أَهْلِهَا، وَوَصَلَ خَبَرُ قَتْلِ شِهَابِ الدِّينِ - عَلَى مَا نَذْكُرُهُ - فَصَالَحَ أَهْلَهَا عَلَى سِتِّينَ أَلْفَ دِينَارٍ رُكْنِيَّةٍ، وَرَحَلَ عَنْهُمْ، وَقَصَدَ حِصْنَ كَاخَكَ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ، وَرَحَلَ إِلَى هَرَاةَ وَمِنْهَا [إِلَى] فَيْرُوزَكُوه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute