وَفَتَكُوا بِالرُّومِ قَتْلًا وَنَهْبًا، فَأَصْبَحَ الرُّومُ كُلُّهُمْ مَا بَيْنَ قَتِيلٍ أَوْ فَقِيرٍ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَدَخَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ الرُّومِ الْكَنِيسَةَ الْعُظْمَى الَّتِي تُدْعَى صُوفِيَا، فَجَاءَ الْفِرِنْجُ إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقِسِّيسِينَ وَالْأَسَاقِفَةِ وَالرُّهْبَانِ، بِأَيْدِيهِمُ الْإِنْجِيلُ وَالصَّلِيبُ يَتَوَسَّلُونَ بِهِمَا إِلَى الْفِرِنْجِ لِيُبْقُوا عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِمْ، وَقَتَلُوهُمْ أَجْمَعِينَ وَنَهَبُوا الْكَنِيسَةَ.
وَكَانُوا ثَلَاثَةَ مُلُوكٍ: دُوقَسُ الْبَنَادِقَةِ، وَهُوَ صَاحِبُ الْمَرَاكِبِ الْبَحْرِيَّةِ، وَفِي مَرَاكِبِهِ رَكِبُوا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَهُوَ شَيْخٌ أَعْمَى، إِذَا رَكِبَ تُقَادُ فَرَسُهُ، وَالْآخِرُ يُقَالُ لَهُ الْمَرْكِيسُ، وَهُوَ مُقَدَّمُ الْإِفْرِنْسِيسْ، وَالْآخِرُ يُقَالُ لَهُ كُنْد أُفْلَنْدُ، وَهُوَ أَكْثَرُهُمْ عَدَدًا، فَلَمَّا اسْتَوْلَوْا عَلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ اقْتَرَعُوا عَلَى الْمُلْكِ، فَخَرَجَتِ الْقَرْعَةُ عَلَى كُنْد أُفْلَنْدَ، فَأَعَادُوا الْقُرْعَةَ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً فَخَرَجَتْ عَلَيْهِ، فَمَلَّكُوهُ - وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ، وَيَنْزِعُهُ مِمَّنْ يَشَاءُ -، فَلَمَّا خَرَجَتِ الْقَرْعَةُ عَلَيْهِ مَلَّكُوهُ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا يُجَاوِرُهَا، وَتَكُونُ لِدُوقَسَ الْبَنَادِقَةِ الْجَزَائِرُ الْبَحْرِيَّةُ مِثْلَ جَزِيرَةِ أَقْرِيطَشَ وَجَزِيرَةِ رُودِسَ وَغَيْرِهِمَا، وَيَكُونُ لِمَرْكِيسَ الْإِفْرِنْسِيسِ الْبِلَادُ الَّتِي هِيَ شَرْقِيُّ الْخَلِيجِ مِثْلَ أَزْنِيقَ وَلَاذِيقَ، فَلَمْ يَحْصُلْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ غَيْرُ الَّذِي أَخَذَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَأَمَّا الْبَاقِي فَلَمْ يَسْلَمْ مَنْ بِهِ مِنَ الرُّومِ. وَأَمَّا الْبِلَادُ الَّتِي كَانَتْ لِمَلِكِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ شَرْقِيَّ الْخَلِيجِ الْمُجَاوِرَةُ لِبِلَادِ رُكْنِ الدِّينِ سُلَيْمَانَ قِلْج أَرْسِلَانَ وَمِنْ جُمْلَتِهَا أَزْنِيقُ وَلَاذِيقُ، فَإِنَّهَا تَغَلَّبَ عَلَيْهَا بِطْرِيقٌ كَبِيرٌ مِنْ بَطَارِقَةِ الرُّومِ اسْمُهُ لَشَكْرِي، وَهِيَ بِيَدِهِ إِلَى الْآنِ.
ذِكْرُ انْهِزَامِ نُورِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ مِنَ الْعَسَاكِرِ الْعَادِلِيَّةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي الْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ، انْهَزَمَ نُورُ الدِّينِ أَرْسِلَانُ شَاهْ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ مِنَ الْعَسَاكِرِ الْعَادِلِيَّةِ ; وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ نُورَ الدِّينِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمِّهِ قُطْبِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ زِنْكِي صَاحِبِ سِنْجَارَ وَحْشَةٌ مُسْتَحْكِمَةٌ أَوَّلًا ثُمَّ اتَّفَقَا، وَسَارَ مَعَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute