إِلَى مَيَّافَارِقِينَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ]- وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ - فَلَمَّا كَانَ الْآنُ أَرْسَلَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَيُّوبَ صَاحِبُ مِصْرَ وَدِمَشْقَ وَبِلَادِ الْجَزِيرَةِ إِلَى قُطْبِ الدِّينِ وَاسْتَمَالَهُ، فَمَالَ إِلَيْهِ وَخَطَبَ لَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ نُورُ الدِّينِ ذَلِكَ سَارَ إِلَى مَدِينَةِ نَصِيبِينَ سَلْخَ شَعْبَانَ - وَهِيَ لِقُطْبِ الدِّينِ - فَحَصَرَهَا وَمَلَكَ الْمَدِينَةَ، وَبَقِيَتِ الْقَلْعَةُ فَحَصَرَهَا عِدَّةَ أَيَّامٍ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَاصِرُهَا وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى أَنْ يَتَسَلَّمَهَا أَتَاهُ الْخَبَرُ أَنَّ مُظَفَّرَ الدِّينِ دُوكْبِرِي بْنَ زَيْنِ الدِّينِ عَلِيٍّ صَاحِبِ إِرْبِلَ قَدْ قَصَدَ أَعْمَالَ الْمَوْصِلِ فَنَهَبَ نِينَوَى، وَأَحْرَقَ غَلَّاتِهَا، فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْ نَائِبِهِ الْمُرَتَّبِ بِالْمَوْصِلِ يَحْفَظُهَا، وَسَارَ عَنْ نَصِيبِينَ إِلَى الْمَوْصِلِ عَلَى عَزْمِ الْعُبُورِ إِلَى بَلَدِ إِرْبِلَ وَنَهْبِهِ جَزَاءً بِمَا فَعَلَ صَاحِبُهَا بِبَلَدِهِ، فَوَصَلَ إِلَى مَدِينَةِ بَلَدَ، وَعَادَ مُظَفَّرُ الدِّينِ إِلَى بَلَدِهِ، وَتَحَقَّقَ نُورُ الدِّينِ أَنَّ الَّذِي قِيلَ لَهُ وَقَعَ فِيهِ زِيَادَةٌ، فَسَارَ إِلَى تَلِّ أَعْفَرَ مِنْ بَلَدَ وَحَصَرَهَا، وَأَخَذَهَا وَرَتَّبَ أُمُورُهَا وَأَقَامَ عَلَيْهَا سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
وَكَانَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ مُوسَى بْنُ الْمَلِكِ الْعَادِلِ بْنِ أَيُّوبَ قَدْ سَارَ مِنْ مَدِينَةِ حَرَّانَ إِلَى رَأْسِ عَيْنٍ نَجْدَةً لِقُطْبِ الدِّينِ، صَاحِبِ سِنْجَارَ وَنَصِيبِينَ، وَقَدِ اتَّفَقَ هُوَ وَمُظَفَّرُ الدِّينِ، صَاحِبُ إِرْبِلَ، وَصَاحِبُ الْحِصْنِ وَآمِدَ، وَصَاحِبُ جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهِمْ، عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى مَنْعِ نُورِ الدِّينِ مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ بِلَادِهِ، وَكُلُّهُمْ خَائِفُونَ مِنْهُ، وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ الِاجْتِمَاعُ وَهُوَ عَلَى نَصِيبِينَ، فَلَمَّا فَارَقَهَا نُورُ الدِّينِ سَارَ الْأَشْرَفُ إِلَيْهَا، وَأَتَاهُ صَاحِبُ الْحِصْنِ، وَصَاحِبُ الْجَزِيرَةِ وَصَاحِبُ دَارَا، وَسَارُوا عَنْ نَصِيبِينَ نَحْوَ بَلَدِ الْبَقْعَا قَرِيبًا مِنْ بُوشَرَى، وَسَارَ نُورُ الدِّينِ مِنْ تَلِّ أَعْفَرَ إِلَى كَفَرْ زَمَّارْ، وَعَزَمَ عَلَى الْمُطَاوَلَةِ لِيَتَفَرَّقُوا، فَأَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ بَعْضِ مَمَالِيكِهِ، يُسَمَّى جِرْدِيكَ، وَقَدْ أَرْسَلَهُ يَتَجَسَّسُ أَخْبَارَهُمْ، فَيُقَلِّلُهُمْ فِي عَيْنِهِ، وَيُطْمِعُهُ فِيهِمْ، وَيَقُولُ: إِنْ أَذِنْتَ لِي لَقِيتُهُمْ بِمُفْرَدِي، فَسَارَ حِينَئِذٍ نُورِ الدِّينِ إِلَى بُوشَرَى فَوَصَلَ إِلَيْهَا مِنَ الْغَدِ الظُّهْرَ وَقَدْ تَعِبَتْ دَوَابُّهُ وَأَصْحَابُهُ، وَلَقُوا شِدَّةً مِنَ الْحَرِّ، فَنَزَلَ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ أَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ.
وَأَتَاهُ الْخَبَرُ أَنَّ عَسَاكِرَ الْخَصْمِ قَدْ رَكِبُوا، فَرَكِبَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَسَارُوا نَحْوَهُمْ فَلَمْ يَرَوْا لَهُمْ أَثَرًا، فَعَادَ إِلَى خِيَامِهِ، وَنَزَلَ هُوَ وَعَسَاكِرُهُ، وَتَفَرَّقَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِي الْقُرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute