لِتَحْصِيلِ الْعُلُوفَاتِ وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، فَجَاءَهُ مَنْ أَخْبَرَهُ بِحَرَكَةِ الْخَصْمِ وَقَصْدِهِ، فَرَكِبَ نُورُ الدِّينِ وَعَسْكَرُهُ، وَتَقَدَّمُوا إِلَيْهِمْ، وَبَيْنَهُمْ نَحْوَ فَرْسَخَيْنِ، فَنَزَلُوا وَقَدِ ازْدَادَ تَعَبُهُمْ، وَالْخَصْمُ مُسْتَرِيحٌ، فَالْتَقَوْا، وَاقْتَتَلُوا فَلَمْ تَطُلِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ حَتَّى انْهَزَمَ عَسْكَرُ نُورِ الدِّينِ، وَانْهَزَمَ هُوَ أَيْضًا، وَطَلَبَ الْمَوْصِلَ، فَوَصَلَ إِلَيْهَا فِي أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ، وَتَلَاحَقَ النَّاسُ، وَأَتَى الْأَشْرَفُ وَمَنْ مَعَهُ، فَنَزَلُوا فِي كَفَرْ زَمَّارْ، وَنَهَبُوا الْبِلَادَ نَهْبًا عَظِيمًا، وَأَهْلَكُوا مَا لَمْ يَصْلُحْ لَهُمْ وَلَا سِيَّمَا مَدِينَةَ بَلَدَ فَإِنَّهُمْ أَفْحَشُوا فِي نَهْبِهَا.
وَمِنْ أَعْجَبِ مَا سَمِعْنَا أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَطْبُخُ، فَرَأَتْ [النَّهْبَ] ، فَأَلْقَتْ سُوَارَيْنِ كَانَا فِي يَدَيْهَا فِي النَّارِ وَهَرَبَتْ، فَجَاءَ بَعْضُ الْجُنْدِ وَنَهَبَ مَا فِي الْبَيْتِ، فَرَأَى فِيهِ بَيْضًا، فَأَخَذَهُ وَجَعَلَهُ فِي النَّارِ لِيَأْكُلَهُ، فَحَكَّهَا، فَرَأَى السُّوَارَيْنِ فِيهَا فَأَخَذَهُمَا.
وَطَالَ مُقَامُهُمْ وَالرُّسُلُ تَتَرَدَّدُ فِي الصُّلْحِ، فَوَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى إِعَادَةِ تَلِّ أَعْفَرَ، وَيَكُونُ الصُّلْحُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأَوْلَى، وَتَوَقَّفَ نُورُ الدِّينِ فِي إِعَادَةِ تَلِّ أَعْفَرَ، فَلَمَّا طَالَ الْأَمْرُ سَلَّمَهَا إِلَيْهِمْ، وَاصْطَلَحُوا أَوَائِلَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّمِائَةٍ، وَتَفَرَّقَتِ الْعَسَاكِرُ مِنَ الْبِلَادِ.
ذِكْرُ خُرُوجِ الْفِرِنْجِ بِالشَّامِ إِلَى بَلَدِ الْإِسْلَامِ وَالصُّلْحِ مَعَهُمْ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ كَثِيرٌ مِنَ الْفِرِنْجِ فِي الْبَحْرِ إِلَى الشَّامِ، وَسَهُلَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ لِمُلْكِهِمْ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَأَرْسَوْا بِعَكَّا، وَعَزَمُوا عَلَى قَصْدِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ - حَرَسَهُ اللَّهُ - وَاسْتِنْقَاذِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا اسْتَرَاحُوا بِعَكَّا سَارُوا فَنَهَبُوا كَثِيرًا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِنَوَاحِي الْأُرْدُنِّ، وَسَبَوْا، وَفَتَكُوا فِي الْمُسْلِمِينَ.
وَكَانَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ بِدِمَشْقَ، فَأَرْسَلَ فِي جَمْعِ الْعَسَاكِرِ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ وَمِصْرَ، وَسَارَ وَنَزَلَ عِنْدَ الطُّورِ بِالْقُرْبِ مِنْ عَكَّا ; لِمَنْعِ الْفِرِنْجِ مِنْ قَصْدِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَنَزَلَ الْفِرِنْجُ بِمَرَجِ عَكَّا، وَأَغَارُوا عَلَى كَفَرْ كَنَّا، فَأَخَذُوا كُلَّ مَنْ بِهَا وَأَمْوَالَهُمْ، وَالْأُمَرَاءُ يُحِثُّونَ الْعَادِلَ عَلَى قَصْدِ بِلَادِهِمْ وَنَهْبِهَا، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَبَقُوا كَذَلِكَ إِلَى أَنِ انْقَضَتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute