للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا سَمِعَ أَلْدِزُ ذَلِكَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ بِدَوَابَّ وَثِيَابٍ وَمَالٍ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَأَخَذَ مَا لَبِسَهُ وَرَدَّ الْبَاقِيَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى بَامِيَانَ لَبِسَ ثِيَابَ سَوَادِيٍّ، وَرَكِبَ حِمَارًا، فَأَخْرَجُوا لَهُ مَرَاكِبَ مُلُوكِيَّةً، وَمَلَابِسَ جَمِيلَةً، فَلَمْ يَرْكَبْ وَلَمْ يَلْبَسْ، وَقَالَ: أُرِيدُ [أَنْ] يَرَانِي النَّاسُ وَمَا صَنَعَ بِي أَهْلُ غَزْنَةَ، حَتَّى إِذَا عُدْتُ إِلَيْهَا وَخَرَّبْتُهَا وَنَهَبْتُهَا لَا يَلُومُنِي أَحَدٌ. وَدَخَلَ دَارَ الْإِمَارَةِ وَشَرَعَ فِي جَمْعِ الْعَسَاكِرِ.

ذِكْرُ مُلْكِ أَلْدِزَ غَزْنَةَ

قَدْ ذَكَرْنَا اسْتِيلَاءَ أَلْدِزَ عَلَى الْأَمْوَالِ وَالسِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ صُحْبَةَ شِهَابِ الدِّينِ وَأَخَذَهُ مِنَ الْوَزِيرِ مُؤَيَّدِ الْمُلْكِ، فَجَمَعَ بِهِ الْعَسَاكِرَ مِنْ أَنْوَاعِ النَّاسِ: الْأَتْرَاكِ وَالْخُلْجِ وَالْغُزِّ وَغَيْرِهِمْ، وَسَارَ إِلَى غَزْنَةَ وَجَرَى لَهُ مَعَ عَلَاءِ الدِّينِ مَا ذَكَرْنَا.

فَلَمَّا خَرَجَ عَلَاءُ الدِّينِ مِنْ غَزْنَةَ أَقَامَ أَلْدِزُ بِدَارِهِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ يُظْهِرُ طَاعَةَ غِيَاثِ الدِّينِ. إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرِ الْخَطِيبَ بِالْخُطْبَةِ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَخْطُبُ لِلْخَلِيفَةِ، وَيَتَرَحَّمُ عَلَى شِهَابِ الدِّينِ الشَّهِيدِ حَسْبُ.

فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ أَحْضَرَ مُقَدَّمِي الْغُورِيَّةِ وَالْأَتْرَاكِ، وَذَمَّ مَنْ كَاتَبَ عَلَاءَ الدِّينِ وَأَخَاهُ، وَقَبَضَ عَلَى أَمِيرِ دَاذَ وَالِي غَزْنَةَ.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، وَهُوَ سَادِسَ عَشَرَ رَمَضَانَ، أَحْضَرَ الْقُضَاةَ وَالْفُقَهَاءَ وَالْمُقَدَّمِينَ، وَأَحْضَرَ أَيْضًا رَسُولَ الْخَلِيفَةِ، وَهُوَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ أَبُو عَلِيِّ بْنُ الرَّبِيعِ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ مُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ قَدْ وَرَدَ إِلَى غَزْنَةَ رَسُولًا إِلَى شِهَابِ الدِّينِ، فَقُتِلَ شِهَابُ الدِّينِ وَهُوَ بِغَزْنَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَإِلَى قَاضِي غَزْنَةَ يَقُولُ لَهُ: إِنَّنِي أُرِيدُ [أَنْ] أَنْتَقِلَ إِلَى دَارِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَأَنْ أُخَاطَبَ بِالْمُلْكِ، وَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِكَ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا أَنْ تَسْتَقِرَّ أُمُورُ النَّاسِ. فَحَضَرَ عِنْدَهُ فَرَكِبَ أَلْدِزُ وَالنَّاسُ فِي خِدْمَتِهِ، وَعَلَيْهِ ثِيَابُ الْحُزْنِ، وَجَلَسَ فِي الدَّارِ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ فِيهِ شِهَابُ الدِّينِ، فَتَغَيَّرَتْ لِذَلِكَ نِيَّاتُ كَثِيرٍ مِنَ الْأَتْرَاكِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُطِيعُونَهُ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ يُرِيدُ الْمُلْكَ لِغِيَاثِ الدِّينِ، فَحَيْثُ رَأَوْهُ يُرِيدُ الِانْفِرَادَ تَغَيَّرُوا عَنْ طَاعَتِهِ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ بَكَى غَيْظًا

<<  <  ج: ص:  >  >>