بِفَيْرُوزَكُوه، وَبَعْضُهُمْ سَارَ إِلَى عَلَاءِ الدِّينِ - صَاحِبِ بَامِيَانَ - وَلَمْ يَخْطُبْ لِأَحَدٍ، وَلَا لِنَفْسِهِ، وَكَانَ يَعِدُ النَّاسَ بِأَنَّ رَسُولِي عِنْدَ مَوْلَايَ غِيَاثِ الدِّينِ، فَإِذَا عَادَ خَطَبْتُ لَهُ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِقَوْلِهِ.
وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَكْرًا وَخَدِيعَةً بِهِمْ وَبِغِيَاثِ الدِّينِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُظْهِرْ ذَلِكَ لَفَارَقَهُ أَكْثَرُ الْأَتْرَاكِ وَسَائِرُ الرَّعَايَا، وَكَانَ حِينَئِذٍ يَضْعُفُ عَنْ مُقَاوَمَةِ صَاحِبِ بَامِيَانَ، فَكَانَ يَسْتَخْدِمُ الْأَتْرَاكَ وَغَيْرَهُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ وَأَشْبَاهِهِ.
فَلَمَّا ظَفِرَ بِصَاحِبِ بَامِيَانَ - عَلَى مَا نَذْكُرُهُ - أَظْهَرَ مَا كَانَ يُضْمِرُهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي هَذَا أَتَاهُ الْخَبَرُ بِقُرْبِ عَلَاءِ الدِّينِ وَجَلَالِ الدِّينِ وَلَدَيْ بَهَاءِ الدِّينِ - صَاحِبِ بَامِيَانَ - فِي الْعَسَاكِرِ الْكَثِيرَةِ، وَأَنَّهُمْ قَدْ عَزَمُوا عَلَى نَهْبِ غَزْنَةَ، وَاسْتِبَاحَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ، فَخَافَ النَّاسُ خَوْفًا شَدِيدًا، وَجَهَّزَ أَلْدِزُ كَثِيرًا مِنْ عَسْكَرِهِ وَسَيَّرَهُمْ إِلَى طَرِيقِهِمْ، فَلَقَوْا أَوَائِلَ الْعَسْكَرِ، فَقُتِلَ مِنَ الْأَتْرَاكِ [جَمَاعَةٌ] ، وَأَدْرَكَهُمُ الْعَسْكَرُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُوَّةٌ بِهِمْ، فَانْهَزَمُوا وَتَبِعَهُمْ عَسْكَرُ عَلَاءِ الدِّينِ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ، فَوَصَلَ الْمُنْهَزِمُونَ إِلَى غَزْنَةَ فَخَرَجَ عَنْهَا أَلْدِزُ مُنْهَزِمًا يَطْلُبُ بَلَدَهُ كَرْمَانَ، فَأَدْرَكَهُ بَعْضُ عَسْكَرِ بَامِيَانَ، نَحْوُ ثَلَاثَةِ آلَافِ فَارِسٍ، فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا فَرَدَّهُمْ عَنْهُ، وَأَحْضَرَ مِنْ كَرْمَانَ مَالًا كَثِيرًا وَسِلَاحًا، فَفَرَّقَهُ فِي الْعَسْكَرِ.
وَأَمَّا عَلَاءُ الدِّينِ وَأَخُوهُ فَإِنَّهُمَا تَرَكَا غَزْنَةَ لَمْ يَدْخُلَاهَا، وَسَارَا فِي أَثَرِ أَلْدِزَ، فَسَمِعَ بِهِمْ، فَسَارَ عَنْ كَرْمَانَ، فَنَهَبَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَمَلْكَ عَلَاءُ الدِّينِ كَرْمَانَ. وَأَمَّنُوا أَهْلَهَا، وَعَزَمُوا عَلَى الْعَوْدِ إِلَى غَزْنَةَ وَنَهْبِهَا، فَسَمِعَ أَهْلُهَا بِذَلِكَ، فَقَصَدُوا الْقَاضِيَ سَعِيدَ بْنَ مَسْعُودٍ وَشَكَوْا إِلَيْهِ حَالَهُمْ، فَمَشَى إِلَى وَزِيرِ عَلَاءِ الدِّينِ الْمَعْرُوفِ بِالصَّاحِبِ، وَأَخْبَرَهُ بِحَالِ النَّاسِ فَطَيَّبَ قُلُوبَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَثِقُونَ بِهِ أَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى النَّهْبِ، فَاسْتَعَدُّوا، وَضَيَّقُوا أَبْوَابَ الدُّرُوبِ وَالشَّوَارِعِ، وَأَعَدُّوا الْعَرَّادَاتِ وَالْأَحْجَارَ، وَجَاءَتِ التُّجَّارُ مِنَ الْعِرَاقِ، وَالْمَوْصِلِ، وَالشَّامِ، وَغَيْرِهَا، وَشَكَوْا إِلَى أَصْحَابِ السُّلْطَانِ، فَلَمْ يُشْكِهِمْ أَحَدٌ، فَقَصَدُوا دَارَ مَجْدِ الدِّينِ بْنِ الرَّبِيعِ، رَسُولِ الْخَلِيفَةِ، وَاسْتَغَاثُوا بِهِ، فَسَكَّنَهُمْ، وَوَعَدَهُمُ الشَّفَاعَةَ فِيهِمْ وَفِي أَهْلِ الْبَلَدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَمِيرٍ كَبِيرٍ مِنَ الْغُورِيَّةِ يُقَالُ لَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْسَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا يَرْجِعُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute