وَكَانَ بِكَرْمَانَ عَسْكَرٌ لِعَلَاءِ الدِّينِ مَعَ أَمِيرٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْمُؤَيَّدِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ مِنْهُمْ أَبُو عَلِيِّ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سَيْسَ وَهُوَ وَأَبُوهُ مِنْ أَعْيَانِ الْغُورِيَّةِ، وَكَانَا مُشْتَغِلَيْنِ بِاللَّعِبِ وَاللَّهْوِ وَالشُّرْبِ، لَا يَفْتُرَانِ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّ عَسْكَرَ الْأَتْرَاكِ قَدْ قَرُبُوا مِنْكُمْ فَلَمْ يَلْتَفِتَا إِلَى ذَلِكَ، وَلَا تَرَكَا مَا كَانَا عَلَيْهِ، فَهَجَمَ عَلَيْهِمْ أَيْ دِكْزُ الْتَتَرِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَتْرَاكِ فَلَمْ يُمْهِلْهُمْ يَرْكَبُونَ خُيُولَهُمْ، فَقُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ صَبْرًا، وَلَمْ يَنْجُ إِلَّا مَنْ تَرَكَهُ الْأَتْرَاكُ عَمْدًا.
وَلَمَّا وَصَلَ أَلْدِزُ فَرَأَى أُمَرَاءَ الْغُورِيَّةِ كُلَّهُمْ قَتْلَى قَالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ قَاتَلُونَا؟ فَقَالَ أَيْ دِكْزُ الْتَتَرِ: لَا بَلْ قَتَلْنَاهُمْ صَبْرًا فَلَامَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَوَبَّخَهُ، وَأُحْضِرَ رَأْسُ ابْنِ الْمُؤَيَّدِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَسَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ - تَعَالَى -، وَأَمَرَ بِالْمَقْتُولِينَ فَغُسِّلُوا وَدُفِنُوا، وَكَانَ فِي جُمْلَةِ الْقَتْلَى أَبُو عَلِيِّ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سَيْسَ.
وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى غَزْنَةَ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَصَلَبَ عَلَاءُ الدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِالْخَبَرِ، فَتَغَيَّمَتِ السَّمَاءُ، وَجَاءَ مَطَرٌ شَدِيدٌ خَرَّبَ بَعْضَ غَزْنَةَ، وَجَاءَ بَعْدَهُ بَرَدٌ كِبَارٌ مِثْلُ بَيْضِ الدَّجَاجِ، فَضَجَّ النَّاسُ إِلَى عَلَاءِ الدِّينِ بِإِنْزَالِ الْمَصْلُوبِ، فَأَنْزَلَهُ آخِرَ النَّهَارِ فَانْكَشَفَتِ الظُّلْمَةُ، وَسَكَنَ مَا كَانُوا فِيهِ.
وَمَلَكَ أَلْدِزُ كَرْمَانَ، وَأَحْسَنَ إِلَى أَهْلِهَا، وَكَانُوا فِي ضُرٍّ شَدِيدٍ مَعَ أُولَئِكَ.
وَلَمَّا صَحَّ الْخَبَرُ عِنْدَ عَلَاءِ الدِّينِ أَرْسَلَ وَزِيرَهُ الصَّاحِبَ إِلَى أَخِيهِ جَلَالِ الدِّينِ فِي بَامِيَانَ يُخْبِرُهُ بِحَالِ أَلْدِزَ، وَيَسْتَنْجِدُهُ، وَكَانَ قَدْ أَعَدَّ الْعَسَاكِرَ لِيَسِيرَ إِلَى بَلْخَ يُرْحِلُ عَنْهَا خُوَارِزْمَ شَاهْ، فَلَمَّا أَتَاهُ هَذَا الْخَبَرُ تَرَكَ بَلْخَ وَسَارَ إِلَى غَزْنَةَ، وَكَانَ أَكْثَرُ عَسْكَرِهِ مِنَ الْغُورِيَّةِ قَدْ فَارَقُوهُ، وَفَارَقُوا أَخَاهُ، وَقَصَدُوا غِيَاثَ الدِّينِ، فَلَمَّا كَانَ أَوَاخِرُ ذِي الْحِجَّةِ وَصَلَ أَلْدِزُ إِلَى غَزْنَةَ، وَنَزَلَ هُوَ وَعَسْكَرُهُ بِإِزَاءِ قَلْعَةِ غَزْنَةَ، وَحَصَرَ عَلَاءَ الدِّينِ، وَجَرَى بَيْنَهُمْ قِتَالٌ شَدِيدٌ، وَأَمَرَ أَلْدِزُ فَنُودِيَ فِي الْبَلَدِ بِالْأَمَانِ، وَتَسْكِينِ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَالْغُورِيَّةِ وَعَسْكَرِ بَامِيَانَ، وَأَقَامَ أَلْدِزُ مُحَاصِرًا لِلْقَلْعَةِ، فَوَصَلَ جَلَالُ الدِّينِ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ مِنْ عَسْكَرِ بَامِيَانَ وَغَيْرِهِمْ، فَرَحَلَ أَلْدِزُ إِلَى طَرِيقِهِمْ، وَكَانَ مُقَامُهُ إِلَى أَنْ سَارَ إِلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَلَمَّا سَارَ أَلْدِزُ سَيَّرَ عَلَاءُ الدِّينِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا أَلْدِزَ مِنْ خَلْفِهِ، وَيَكُونَ أَخُوهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَلَا يَسْلَمُ مِنْ عَسْكَرِهِ أَحَدٌ. فَلَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute