خُرَاسَانُ كُلُّهَا لِخُوَارَزْم شَاهْ، وَذَلِكَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّمِائَةٍ أَيْضًا.
وَغِيَاثُ الدِّينِ هَذَا هُوَ آخِرُ مُلُوكِ الْغُورِيَّةِ، وَلَقَدْ كَانَتْ دَوْلَتُهُمْ مِنْ أَحْسَنِ الدُّوَلِ سِيرَةً، وَأَعْدَلِهَا وَأَكْثَرِهَا جِهَادًا، وَكَانَ مَحْمُودٌ هَذَا عَادِلًا، حَلِيمًا، كَرِيمًا، مِنْ أَحْسَنِ الْمُلُوكِ سِيرَةً وَأَكْرَمِهِمْ أَخْلَاقًا، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ عَوْدِ خُوَارَزْم شَاهْ إِلَى الْخَطَا لَمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرُ خُرَاسَانَ لِخُوَارَزْم شَاهْ وَعَبَرَ نَهْرَ جَيْحُونَ، جَمَعَ لَهُ الْخَطَا جَمْعًا عَظِيمًا وَسَارُوا إِلَيْهِ، وَالْمُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ شَيْخُ دَوْلَتِهِمْ، الْقَائِمُ مَقَامَ الْمَلِكِ فِيهِمْ، الْمَعْرُوفُ بِطَايَنْكُوهْ، وَكَانَ عُمُرُهُ قَدْ جَاوَزَ مِائَةَ سَنَةٍ، وَلَقِيَ حُرُوبًا كَثِيرَةً، وَكَانَ مُظَفَّرًا، حَسَنَ التَّدْبِيرِ وَالْعَقْلِ، وَاجْتَمَعَ خُوَارَزْم شَاهْ وَصَاحِبُ سَمَرْقَنْدَ، وَتَصَافَوْا هُمْ وَالْخَطَا سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّمِائَةٍ، فَجَرَتْ حُرُوبٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهَا شِدَّةً وَصَبْرًا، فَانْهَزَمَ الْخَطَا هَزِيمَةً مُنْكَرَةً، وَقُتِلَ مِنْهُمْ وَأُسِرَ خَلْقٌ لَا يُحْصَى.
وَكَانَ فِيمَنْ أُسِرَ طَايَنْكُوهْ مُقَدَّمُهُمْ، وَجِيءَ بِهِ إِلَى خُوَارَزْم شَاهْ، فَأَكْرَمَهُ، وَأَجْلَسَهُ عَلَى سَرِيرِهِ، وَسَيَّرَهُ إِلَى خُوَارَزْمَ، ثُمَّ قَصَدَ خُوَارَزْم شَاهْ إِلَى بِلَادِ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ، فَمَلَكَهَا مَدِينَةً مَدِينَةً، وَنَاحِيَةً نَاحِيَةً، حَتَّى بَلَغَ إِلَى مَدِينَةِ أُوزْكَنْدَ، وَجَعَلَ نُوَّابَهُ فِيهَا.
وَعَادَ إِلَى خُوَارَزْمَ وَمَعَهُ سُلْطَانُ سَمَرْقَنْدَ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صُورَةً، فَكَانَ أَهْلُ خُوَارَزْمَ يَجْتَمِعُونَ حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَيْهِ، فَزَوَّجَهُ خُوَارَزْم شَاهْ بِابْنَتِهِ، وَرَدَّهُ إِلَى سَمَرْقَنْدَ، وَبَعَثَ مَعَهُ شِحْنَةً يَكُونُ بِسَمَرْقَنْدَ عَلَى مَا كَانَ رَسَمَ الْخَطَا.
ذِكْرُ غَدْرِ صَاحِبِ سَمَرْقَنْدَ بِالْخُوَارَزْمِيِّينَ
لَمَّا عَادَ صَاحِبُ سَمَرْقَنْدَ إِلَيْهَا، وَمَعَهُ شِحْنَةٌ لِخُوَارَزْم شَاهْ، أَقَامَ مَعَهُ نَحْوَ سَنَةٍ فَرَأَى مِنْ سُوءِ سِيرَةِ الْخُوَارَزْمِيِّينَ وَقُبْحِ مُعَامَلَتِهِمْ، مَا نَدِمَ مَعَهُ عَلَى مُفَارَقَةِ الْخَطَا، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلِكِ الْخَطَا يَدْعُوهُ إِلَى سَمَرْقَنْدَ لِيُسَلِّمَهَا إِلَيْهِ، وَيَعُودَ إِلَى طَاعَتِهِ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ كُلِّ مَنْ فِي سَمَرْقَنْدَ مِنَ الْخُوَارَزْمِيَّةِ مِمَّنْ سَكَنَهَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَأَخَذَ أَصْحَابَ خُوَارَزْم شَاهْ، فَكَانَ يَجْعَلُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ قِطْعَتَيْنِ وَيُعَلِّقُهُمْ فِي الْأَسْوَاقِ كَمَا يُعَلِّقُ الْقَصَّابُ اللَّحْمَ وَأَسَاءَ غَايَةَ الْإِسَاءَةِ، وَمَضَى إِلَى الْقَلْعَةِ لِيَقْتُلَ زَوْجَتَهُ ابْنَةَ خُوَارَزْم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute