شَاهْ، فَأَغْلَقَتِ الْأَبْوَابَ وَوَقَفَتْ بِجَوَارِيهَا تَمْنَعُهُ، وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تَقُولُ: أَنَا امْرَأَةٌ وَقَتْلُ مِثْلِي قَبِيحٌ، وَلَمْ يَكُنْ مِنِّي إِلَيْكَ مَا أَسْتَوْجِبُ بِهِ هَذَا مِنْكَ، وَلَعَلَّ تَرْكِي أَحْمَدُ عَاقِبَةً، فَاتَّقِ اللَّهَ فِيَّ. فَتَرَكَهَا وَوَكَلَ بِهَا مَنْ يَمْنَعُهَا التَّصَرُّفَ فِي نَفْسِهَا.
وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى خُوَارَزْم شَاهْ فَقَامَتْ قِيَامَتُهُ، وَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَأَمَرَ بِقَتْلِ كُلِّ مَنْ بِخُوَارَزْمَ مِنَ الْغُرَبَاءِ، فَمَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَتْ: إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ قَدْ أَتَاهُ النَّاسُ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَلَمْ يَرْضَ كُلُّهُمْ بِمَا كَانَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، فَنَهَتْهُ أُمُّهُ، فَانْتَهَى.
وَأَمَرَ عَسَاكِرَهُ بِالتَّجَهُّزِ إِلَى مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَسَيَّرَهُمْ أَرْسَالًا، كُلَّمَا تَجَهَّزَ جَمَاعَةٌ عَبَرُوا جَيْحُونَ، فَعَبَرَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يُحْصَى ثُمَّ عَبَرَ هُوَ بِنَفْسِهِ فِي آخِرِهِمْ، وَنَزَلَ عَلَى سَمَرْقَنْدَ، وَأَنْفَذَ إِلَى صَاحِبِهَا يَقُولُ لَهُ: قَدْ فَعَلْتَ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ مُسْلِمٌ، وَاسْتَحْلَلْتَ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مَا لَا يَفْعَلُهُ عَاقِلٌ لَا مُسْلِمٌ وَلَا كَافِرٌ وَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ، فَاخْرُجْ مِنَ الْبِلَادِ، وَامْضِ حَيْثُ شِئْتَ. فَقَالَ: لَا أَخْرُجُ، وَافْعَلْ مَا بَدَا لَكَ.
فَأَمَرَ عَسَاكِرَهُ بِالزَّحْفِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ مَعَهُ بِأَنْ يَأْمُرَ بَعْضَ الْأُمَرَاءِ، إِذَا فَتَحُوا الْبَلَدَ، أَنْ يَقْصِدُوا السِّرْبَ الَّذِي يُسْكُنُهُ التُّجَّارُ فَيَمْنَعُ مِنْ نَهْبِهِ وَالتَّطَرُّقِ إِلَيْهِمْ بِسُوءٍ، فَإِنَّهُمْ غُرَبَاءُ، وَكُلُّهُمْ كَارِهُونَ لِهَذَا الْفِعْلِ. فَأَمَرَ بَعْضَ الْأُمَرَاءِ بِذَلِكَ وَزَحَفَ، وَنَصَبَ السَّلَالِيمَ عَلَى السُّورِ، فَلَمْ يَكُنْ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ أَخَذُوا الْبَلَدَ، وَأَذِنَ لِعَسْكَرِهِ بِالنَّهْبِ: وَقَتْلِ مَنْ يَجِدُونَهُ مَنْ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، فَنَهَبَ الْبَلَدَ، وَقَتَلَ أَهْلَهُ، ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَتَلُوا مِنْهُمْ مِائَتَيْ أَلْفِ إِنْسَانٍ، وَسَلِمَ ذَلِكَ الدَّرْبُ الَّذِي فِيهِ الْغُرَبَاءُ، فَلَمْ يُعْدَمْ مِنْهُمُ الْفَرْدُ وَلَا الْآدَمِيُّ الْوَاحِدُ.
ثُمَّ أَمَرَ بِالْكَفِّ عَنِ النَّهْبِ وَالْقَتْلِ، ثُمَّ زَحَفَ إِلَى الْقَلْعَةِ فَرَأَى صَاحِبُهَا مَا مَلَأَ قَلْبَهُ هَيْبَةً وَخَوْفًا، فَأَرْسَلَ يَطْلُبُ الْأَمَانَ، فَقَالَ: لَا أَمَانَ لَكَ عِنْدِي فَزَحَفُوا عَلَيْهَا. فَمَسَكُوهَا، وَأَسَرُوا صَاحِبَهَا، وَأَحْضَرُوهُ عِنْدَ خُوَارَزْم شَاهْ، فَقَبَّلَ الْأَرْضَ وَطَلَبَ الْعَفْوَ، فَلَمْ يَعْفُ عَنْهُ، وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ. فَقُتِلَ صَبْرًا، وَقُتِلَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدًا مِمَّنْ نُسِبَ إِلَى الْخَانِيَّةِ، وَرَتَّبَ فِيهَا وَفِي سَائِرِ الْبِلَادِ نُوَّابَهُ، وَلَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ مَعَهُ فِي الْبِلَادِ حُكْمٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute