ذِكْرُ الْوَقْعَةِ الَّتِي أَفْنَتِ الْخَطَا
لَمَّا فَعَلَ خُوَارَزْم شَاهْ بِالْخَطَا مَا ذَكَرْنَاهُ مَضَى مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ إِلَى مَلِكِهِمْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْضُرِ الْحَرْبَ فَاجْتَمَعُوا عِنْدَهُ وَكَانَ طَائِفَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ التَّتَرِ قَدْ خَرَجُوا مِنْ بِلَادِهِمْ، حُدُودِ الصِّينِ قَدِيمًا، وَنَزَلُوا وَرَاءَ بِلَادِ تُرْكِسْتَانَ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْخَطَا عَدَاوَةٌ وَحُرُوبٌ، فَلَمَّا سَمِعُوا بِمَا فَعَلَهُ خُوَارَزْم شَاهْ بِالْخَطَا قَصَدُوهُمْ مَعَ مَلِكِهِمْ كَشْلِي خَانْ.
فَلَمَّا رَأَى مَلِكُ الْخَطَا ذَلِكَ أَرْسَلَ إِلَى خُوَارَزْم شَاهْ يَقُولُ لَهُ: أَمَّا مَا كَانَ مِنْكَ مِنْ أَخْذِ بِلَادِنَا وَقَتْلِ رِجَالِنَا فَعَفْوٌ عَنْهُ، وَقَدْ أَتَى مِنْ هَذَا الْعَدُوِّ مَنْ لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ، وَإِنَّهُمْ إِنِ انْتَصَرُوا عَلَيْنَا، وَمَلَكُونَا فَلَا دَافِعَ لَهُمْ عَنْكَ، وَالْمَصْلَحَةُ أَنْ تَسِيرَ إِلَيْنَا بِعَسَاكِرِكَ وَتَنْصُرَنَا عَلَى قِتَالِهِمْ، وَنَحْنُ نَحْلِفُ لَكَ أَنَّنَا إِذَا ظَفِرْنَا بِهِمْ لَا نَتَعَرَّضُ إِلَى مَا أَخَذْتَ مِنَ الْبِلَادِ وَنَقْنَعُ بِمَا فِي أَيْدِينَا.
وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ كَشْلِي خَانْ مَلِكُ التَّتَرِ يَقُولُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْخَطَا أَعْدَاؤُكَ وَأَعْدَاءُ آبَائِكَ وَأَعْدَاؤُنَا، فَسَاعِدْنَا عَلَيْهِمْ، وَنَحْلِفُ أَنَّنَا إِذَا انْتَصَرْنَا عَلَيْهِمْ لَا نَقْرَبُ بِلَادَكَ، وَنَقْنَعُ بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي يَنْزِلُونَهَا فَأَجَابَ كُلًّا مِنْهُمَا: إِنَّنِي مَعَكَ، وَمُعَاضِدُكَ عَلَى خَصْمِكَ.
وَسَارَ بِعَسَاكِرِهِ إِلَى أَنْ نَزَلَ قَرِيبًا مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَصَافُّوا فِيهِ، فَلَمْ يُخَالِطْهُمْ مُخَالَطَةً يُعْلَمُ بِهَا أَنَّهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَكَانَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَظُنُّ أَنَّهُ مَعَهَا.
وَتَوَاقَعَ الْخَطَا وَالتَّتَرُ، فَانْهَزَمَ الْخَطَا هَزِيمَةً عَظِيمَةً، فَمَالَ حِينَئِذٍ خُوَارَزْم شَاهْ، وَجَعَلَ يَقْتُلُ، وَيَأْسِرُ، وَيَنْهَبُ، وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدًا يَنْجُو مِنْهُمْ، فَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ إِلَّا طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ مَعَ مِلْكِهِمْ فِي مَوْضِعٍ مِنْ نَوَاحِي التُّرْكِ يُحِيطُ بِهِ جَبَلٌ لَيْسَ إِلَيْهِ طَرِيقٌ إِلَّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، تَحَصَّنُوا فِيهِ وَانْضَمَّ إِلَى خُوَارَزْم شَاهْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ، وَسَارُوا فِي عَسْكَرِهِ.
وَأَنْفَذَ خُوَارَزْم شَاهْ إِلَى كَشْلِي خَانْ مَلِكِ التَّتَرِ يَمُنُّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حَضَرَ لِمُسَاعَدَتِهِ، وَلَوْلَاهُ لِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute