تَمَكَّنَ مِنَ الْخَطَا، فَاعْتَرَفَ لَهُ كَشْلِي خَانْ بِذَلِكَ مُدَّةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَطْلُبُ مِنْهُ الْمُقَاسَمَةَ عَلَى بِلَادِ الْخَطَا، وَقَالَ: كَمَا أَنَّنَا اتَّفَقْنَا عَلَى إِبَادَتِهِمْ يَنْبَغِي أَنْ نَقْتَسِمَ بِلَادَهُمْ. فَقَالَ: لَيْسَ لَكَ عِنْدِي غَيْرُ السَّيْفِ، وَلَسْتُمْ بِأَقْوَى مِنَ الْخَطَا شَوْكَةً، وَلَا أَعَزَّ مُلْكًا، فَإِنْ قَنَعْتَ بِالْمُسَاكَتَةِ، وَإِلَّا سِرْتُ إِلَيْكَ، وَفَعَلْتُ بِكَ شَرًّا مِمَّا فَعَلْتُ بِهِمْ.
وَتَجَهَّزَ وَسَارَ حَتَّى نَزَلَ قَرِيبًا مِنْهُمْ، وَعَلِمَ خُوَارَزْم شَاهْ أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ، فَكَانَ يُرَاوِغُهُ، فَإِذَا سَارَ إِلَى مَوْضِعٍ قَصَدَ خُوَارَزْم شَاهْ أَهْلَهُ وَأَثْقَالَهُمْ فَيَنْهَبُهَا، وَإِذَا سَمِعَ أَنَّ طَائِفَةً سَارَتْ عَنْ مَوْطِنِهِمْ سَارَ إِلَيْهَا فَأَوْقَعَ بِهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ كَشْلِي خَانْ يَقُولُ لَهُ: لَيْسَ هَذَا فِعْلُ الْمُلُوكِ هَذَا فِعْلُ اللُّصُوصِ، وَإِلَّا إِنْ كُنْتَ سُلْطَانًا، كَمَا تَقُولُ، فَيَجِبُ أَنْ نَلْتَقِيَ، فَإِمَّا أَنْ تَهْزِمَنِي وَتَمْلِكَ الْبِلَادَ الَّتِي بِيَدِي، وَإِمَّا أَنْ أَفْعَلَ أَنَا بِكَ ذَلِكَ.
فَكَانَ يُغَالِطُهُ وَلَا يُجِيبُهُ إِلَى مَا طَلَبَ، لَكِنَّهُ أَمَرَ أَهْلَ الشَّاشِ، وَفَرْغَانَةَ، وَأَسْفِيجَابَ، وَكَاسَانَ، وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْمُدُنِ - الَّتِي لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا أَنْزَهُ مِنْهَا وَلَا أَحْسَنُ عِمَارَةً - بِالْجَلَاءِ مِنْهَا، وَاللِّحَاقِ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ خَرَّبَهَا جَمِيعَهَا خَوْفًا مِنَ التَّتَرِ أَنْ يَمْلِكُوهَا.
ثُمَّ اتَّفَقَ خُرُوجُ هَؤُلَاءِ التَّتَرِ الْآخَرِ الَّذِينَ خَرَّبُوا الدُّنْيَا وَمَلِكِهِمْ جَنْكِزْخَانْ النَّهْرَجِيِّ عَلَى كَشْلِي خَانْ مَلِكِ التَّتَرِ الْأَوَّلِ، فَاشْتَغَلَ بِهِمْ كَشْلِي خَانْ عَنْ خُوَارَزْم شَاهْ، فَخَلَا وَجْهُهُ، فَعَبَرَ النَّهْرَ إِلَى خُرَاسَانَ.
ذِكْرُ مُلْكِ نَجْمِ الدِّينِ ابْنِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ خِلَاطَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلَكَ الْمَلِكُ الْأَوْحَدُ نَجْمُ الدِّينِ أَيُّوبُ ابْنُ الْمَلِكِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ مَدِينَةَ خِلَاطَ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ بِمَدِينَةِ مَيَّافَارِقِينَ مَعَ أَبِيهِ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ مُلْكِ بُلْبَانَ خِلَاطَ مَا ذَكَرْنَاهُ، قَصَدَ هُوَ مَدِينَةَ مُوشَ، وَحَصَرَهَا وَأَخَذَهَا وَأَخَذَ مَعَهَا مَا يُجَاوِرُهَا. وَكَانَ بُلْبَانُ لَمْ تَثْبُتْ قَدَمُهُ حَتَّى يَمْنَعَهُ، فَلَمَّا مَلَكَهَا طَمِعَ فِي خِلَاطَ فَسَارَ إِلَيْهَا فَهَزَمَهُ بُلْبَانُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا.
فَعَادَ إِلَى بَلَدِهِ، وَجَمَعَ وَحَشَدَ، وَسَيَّرَ إِلَيْهِ أَبُوهُ جَيْشًا، فَقَصَدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute