بَلَدِ حِمْصَ وَوِلَايَاتِهَا، وَنَازَلُوا مَدِينَةَ حِمْصَ، وَكَانَ جَمْعُهُمْ كَثِيرًا، فَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا أَسَدِ الدِّينِ شِيرِكُوهْ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرِكُوهْ بِهِمْ قُوَّةٌ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِمْ وَمَنْعِهِمْ، فَاسْتَنْجَدَ الظَّاهِرَ غَازِيَ، صَاحِبَ حَلَبَ، وَغَيْرَهُ مِنْ مُلُوكِ الشَّامِ، فَلَمْ يُنْجِدْهُ إِلَّا الظَّاهِرُ، فَإِنَّهُ سَيَّرَ لَهُ عَسْكَرًا أَقَامُوا عِنْدَهُ، وَمَنَعُوا الْفِرِنْجَ عَنْ وِلَايَتِهِ.
ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ الْعَادِلَ خَرَجَ مِنْ مِصْرَ بِالْعَسَاكِرِ الْكَثِيرَةِ، وَقَصَدَ مَدِينَةَ عَكَّا، فَصَالَحَهُ صَاحِبُهَا الْفِرِنْجِيُّ عَلَى قَاعِدَةٍ اسْتَقَرَّتْ مِنْ إِطْلَاقِ أَسْرَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ سَارَ إِلَى حِمْصَ، فَنَزَلَ عَلَى بُحَيْرَةِ قَدَسَ، وَجَاءَتْهُ عَسَاكِرُ الشَّرْقِ وَدِيَارِ الْجَزِيرَةِ، وَدَخَلَ إِلَى بِلَادِ طَرَابُلُسَ، وَحَاصَرَ مَوْضِعًا يُسَمَّى الْقُلَيْعَاتِ، أَخَذَهُ صُلْحًا وَأَطْلَقَ صَاحِبَهُ، وَغَنِمَ مَا فِيهِ مِنْ دَوَابَّ وَسِلَاحٍ، وَخَرَّبَهُ، وَتَقَدَّمَ إِلَى طَرَابُلُسَ فَنَهَبَ، وَأَحْرَقَ وَسَبَى وَغَنِمَ، وَعَادَ، وَكَانَتْ مُدَّةُ مَقَامِهِ فِي بَلَدِ الْفِرِنْجِ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا، وَعَادَ إِلَى بُحَيْرَةِ قُدْسَ.
وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِرِنْجِ فِي الصُّلْحِ، فَلَمْ تَسْتَقِرَّ قَاعِدَةٌ وَدَخَلَ الشِّتَاءُ، وَطَلَبَتِ الْعَسَاكِرُ الشَّرْقِيَّةُ الْعَوْدَ إِلَى بِلَادِهِمْ قَبْلَ الْبَرْدِ الشَّدِيدِ، فَنَزَلَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَسْكَرِ بِحِمْصَ عِنْدَ صَاحِبِهَا، وَعَادَ إِلَى دِمَشْقَ فَشَتَّى بِهَا، وَعَادَتْ عَسَاكِرُ دِيَارِ الْجَزِيرَةِ إِلَى أَمَاكِنِهَا.
وَكَانَ سَبَبُ خُرُوجِهِ مِنْ مِصْرَ بِالْعَسَاكِرِ أَنَّ أَهْلَ قُبْرُسَ مِنَ الْفِرِنْجِ أَخَذُوا عِدَّةَ قِطَعٍ مِنْ أُسْطُولِ مِصْرَ، وَأَسَرُوا مَنْ فِيهَا.
فَأَرْسَلَ الْعَادِلُ إِلَى صَاحِبِ عَكَّا فِي رَدِّ مَا أَخَذَ، وَيَقُولُ: نَحْنُ صُلْحٌ فَلِمَ غَدَرْتُمْ بِأَصْحَابِنَا. فَاعْتَذَرَ بِأَنَّ أَهْلَ قُبْرُسَ لَيْسَ لِي عَلَيْهِمْ حُكْمٌ وَأَنَّ مَرْجِعَهُمْ إِلَى الْفِرِنْجِ الَّذِينَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ قُبْرُسَ سَارُوا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ بِسَبَبِ غَلَاءٍ كَانَ عِنْدَهُمْ وَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِمُ الْأَقْوَاتُ، وَعَادَ حُكْمُ قُبْرُسَ إِلَى صَاحِبِ عَكَّا، وَأَعَادَ الْعَادِلُ مُرَاسَلَتَهُ فَلَمْ يَنْفَصِلْ حَالٌ، فَخَرَجَ بِالْعَسَاكِرِ، وَفَعَلَ بِعَكَّا مَا ذَكَرْنَا، فَأَجَابَهُ حِينَئِذٍ صَاحِبُهَا إِلَى مَا طَلَبَ وَأَطْلَقَ الْأَسْرَى.
ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بِخِلَاطَ وَقَتْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِهَا
لَمَّا تَمَّ مُلْكُ خِلَاطَ وَأَعْمَالِهَا لِلْمَلِكِ الْأَوْحَدِ بْنِ الْعَادِلِ سَارَ عَنْهَا إِلَى مَلَازَكُرْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute