لِيُقَرِّرَ قَوَاعِدَهَا أَيْضًا، وَيَفْعَلَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَهُ فِيهَا، فَلَمَّا فَارَقَ خِلَاطَ وَثَبَ أَهْلُهَا عَلَى مَنْ بِهَا مِنَ الْعَسْكَرِ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَعَصَوْا، وَحَصَرُوا الْقَلْعَةَ وَبِهَا أَصْحَابُ الْأَوْحَدِ، وَنَادَوْا بِشِعَارِ شَاهْ أَرْمَنَ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا، يَعْنُونَ بِذَلِكَ رَدَّ الْمُلْكِ إِلَى أَصْحَابِهِ وَمَمَالِيكِهِ.
فَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى الْمَلِكِ الْأَوْحَدِ، فَعَادَ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ وَافَاهُ عَسْكَرٌ مِنَ الْجَزِيرَةِ فَقَوِيَ بِهِمْ، وَحَصَرَ خِلَاطَ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُهَا، فَمَالَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ حَسَدًا لِلْآخَرِينَ، فَمَلَكَهَا، وَقَتَلَ بِهَا خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِهَا، وَأَسَرَ جَمَاعَةً مِنَ الْأَعْيَانِ، فَسَيَّرَهُمْ إِلَى مَيَّافَارِقِينَ، وَكَانَ كُلَّ يَوْمٍ يُرْسِلُ إِلَيْهِمْ يَقْتَلُ مِنْهُمْ جَمَاعَةً، فَلَمْ يَسْلَمْ إِلَّا الْقَلِيلُ، وَذَلَّ أَهْلُ خِلَاطَ بَعْدَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، وَتَفَرَّقَتْ كَلِمَةُ الْفِتْيَانِ، وَكَانَ الْحُكْمُ إِلَيْهِمْ، وَكُفِيَ النَّاسُ شَرَّهُمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ صَارُوا يُقِيمُونَ مَلِكًا وَيَقْتُلُونَ آخَرَ، وَالسَّلْطَنَةُ عِنْدَهُمْ لَا حُكْمَ لَهَا وَإِنَّمَا الْحُكْمُ لَهُمْ وَإِلَيْهِمْ.
ذِكْرُ مُلْكِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْبَهْلَوَانِ مَرَاغَةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلَكَ الْأَمِيرُ نُصْرَةُ الدِّينِ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَهْلَوَانِ، صَاحِبُ أَذْرَبِيجَانَ، مَدِينَةَ مَرَاغَةَ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَهَا عَلَاءَ الدِّينِ قَرَاسُنْقُرَ مَاتَ هَذِهِ السَّنَةَ، وَوَلِيَ بَعْدَهُ ابْنٌ لَهُ طِفْلٌ، وَقَامَ بِتَدْبِيرِ دَوْلَتِهِ وَتَرْبِيَتِهِ خَادِمٌ كَانَ لِأَبِيهِ، فَعَصَى عَلَيْهِ أَمِيرٌ كَانَ مَعَ أَبِيهِ وَجَمَعَ جَمْعًا كَثِيرًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْخَادِمُ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعَسْكَرِ، فَقَاتَلَهُمْ ذَلِكَ الْأَمِيرُ، فَانْهَزَمُوا، وَاسْتَقَرَّ مُلْكُ وَلَدِ عَلَاءِ الدِّينِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ تَطُلْ أَيَّامُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّمِائَةٍ، وَانْقَرَضَ أَهْلُ بَيْتِهِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ سَارَ نُصْرَةُ الدِّينِ أَبُو بَكْرٍ مِنْ تِبْرِيزَ إِلَى مَرَاغَةَ فَمَلَكَهَا وَاسْتَوْلَى عَلَى جَمِيعِ مَمْلَكَةِ آلِ قَرَاسُنْقُرَ مَا عَدَا قَلْعَةَ رُوِينَ دَزْ فَإِنَّهَا اعْتَصَمَ بِهَا الْخَادِمُ، وَعِنْدَهُ الْخَزَائِنُ وَالذَّخَائِرُ، فَامْتَنَعَ بِهَا عَلَى الْأَمِيرِ أَبِي بَكْرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute