ذِكْرُ عَزْلِ نَصِيرِ الدِّينِ وَزِيرِ الْخَلِيفَةِ
كَانَ نَصِيرُ الدِّينِ نَاصِرُ بْنُ مَهْدِيٍّ الْعَلَوِيُّ هَذَا مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ مَنْ بَيْتٍ كَبِيرٍ. فَقَدِمَ بَغْدَادَ لَمَّا مَلَكَ مُؤَيَّدُ الدِّينِ بْنُ الْقَصَّابِ وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ الرَّيَّ، وَلَقِيَ مِنَ الْخَلِيفَةِ قَبُولًا، فَجَعَلَهُ نَائِبَ الْوِزَارَةِ، ثُمَّ جَعَلَهُ وَزِيرًا وَحَكَّمَهُ وَجَعَلَ ابْنَهُ صَاحِبَ الْمَخْزَنِ.
فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، عُزِلَ وَأُغْلِقَ بَابُهُ وَكَانَ سَبَبُ عَزْلِهِ أَنَّهُ أَسَاءَ السِّيرَةَ مَعَ أَكَابِرِ مَمَالِيكِ الْخَلِيفَةِ، فَمِنْهُمْ أَمِيرُ الْحَاجِّ مُظَفَّرُ الدِّينِ سُنْقُرُ الْمَعْرُوفُ بِوَجْهِ السَّبُعِ، فَإِنَّهُ هَرَبَ مِنْ يَدِهِ إِلَى الشَّامِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّمِائَةٍ، فَارَقَ الْحَاجَّ بِالْمَرْخُومِ، وَأَرْسَلَ يَعْتَذِرُ مِنْ هَرَبِهِ وَيَقُولُ: إِنَّنِي هَرَبْتُ مِنْ يَدِ الْوَزِيرِ ; ثُمَّ أَتْبَعَهُ الْأَمِيرَ جَمَالَ الدِّينِ قُشْتُمُرَ وَهُوَ أَخَصُّ الْمَمَالِيكِ وَآثَرُهُمْ عِنْدَهُ، وَمَضَى إِلَى لُرِسْتَانَ وَأَرْسَلَ يَعْتَذِرُ وَيَقُولُ: إِنَّ الْوَزِيرَ يُرِيدُ أَنْ لَا يُبْقِيَ فِي خِدْمَةِ الْخَلِيفَةِ أَحَدًا مِنْ مَمَالِيكِهِ. وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَدَّعِيَ الْخِلَافَةَ، وَقَالَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَأَكْثَرُوا وَقَالُوا الشِّعْرَ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ:
أَلَا مُبْلِغٌ عَنِّي الْخَلِيفَةَ أَحْمَدًا ... تَوَقَّ وُقِيتَ السُّوءَ مَا أَنْتَ صَانِعُ
وَزِيرُكُ هَذَا بَيْنَ أَمْرَيْنِ فِيهِمَا ... فَعَالُكَ يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ، ضَائِعُ
فَإِنْ كَانَ حَقًّا مِنْ سُلَالَةِ أَحْمَدٍ ... فَهَذَا وَزِيرٌ فِي الْخِلَافَةِ طَامِعُ
وَإِنْ كَانَ فِيمَا يَدَّعِي غَيْرَ صَادِقٍ ... فَأَضْيَعُ مَا كَانَتْ لَدَيْهِ الصَّنَائِعُ
فَعَزَلَهُ، وَقِيلَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ غَيْرُهُ، وَلَمَّا عُزِلَ أَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَقُولُ: إِنَّنِي قَدِمْتُ إِلَى هَاهُنَا وَلَيْسَ لِي دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، وَقَدْ حَصَلَ لِي مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَعْلَاقِ النَّفِيسَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا يَزِيدُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافِ دِينَارٍ ; وَيَسْأَلُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الْجَمِيعُ وَيُفْرَجُ عَنْهُ وَيُمَكَّنُ مِنَ الْمَقَامِ بِالْمَشْهَدِ أُسْوَةً بِبَعْضِ الْعَلَوِيِّينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute