فَأَجَابَهُ: إِنَّنَا مَا أَنْعَمْنَا عَلَيْكَ بِشَيْءٍ فَنَوَيْنَا اسْتِعَادَتَهُ مِنْكَ، وَلَوْ كَانَ مِلْءَ الْأَرْضِ ذَهَبًا، وَنَفْسُكَ فِي أَمَانِ اللَّهِ وَأَمَانِنَا، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْكَ مَا تَسْتَوْجِبُ بِهِ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ الْأَعْدَاءَ قَدْ أَكْثَرُوا فِيكَ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكِ مَوْضِعًا تَنْتَقِلُ إِلَيْهِ مَوْفُورًا مُحْتَرَمًا.
فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ الِاسْتِظْهَارِ مِنْ جَانِبِ الْخَلِيفَةِ لِئَلَّا يَتَمَكَّنَ مِنْهُ الْعَدُوُّ فَتَذْهَبَ نَفْسُهُ، فَفُعِلَ بِهِ ذَلِكَ.
وَكَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ قَرِيبًا إِلَى النَّاسِ، حَسَنَ اللِّقَاءِ لَهُمْ وَالِانْبِسَاطِ مَعَهُمْ، عَفِيفًا عَنْ أَمْوَالِهِمْ، غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ، فَلَمَّا قُبِضَ عَادَ أَمِيرُ الْحَاجِّ مِنْ مِصْرَ وَكَانَ فِي الْخِدْمَةِ الْعَادِلِيَّةِ، وَعَادَ أَيْضًا قُشْتُمُرُ، وَأُقِيمَ فِي النِّيَابَةِ فِي الْوِزَارَةِ فَخْرُ الدِّينِ أَبُو الْبَدْرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَمْسِينَا الْوَاسِطِيُّ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَحَكِّمًا.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ وَقْتَ السَّحَرِ، وَكُنْتُ حِينَئِذٍ بِالْمَوْصِلِ، وَلَمْ تَكُنْ بِهَا شَدِيدَةً، وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ مِنْ كَثِيرٍ مِنِ الْبِلَادِ بِأَنَّهَا زُلْزِلَتْ وَلَمْ تَكُنْ بِالْقَوِيَّةِ.
وَفِيهَا أَطْلَقَ الْخَلِيفَةُ النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ جَمِيعَ حَقِّ الْبَيْعِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْتِعَةِ مِنَ الْمُكُوسِ مِنْ سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ، وَكَانَ مَبْلَغًا كَثِيرًا. وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنْ بِنْتًا لِعِزِّ الدِّينِ نَجَاحٍ شَرَابِيِّ الْخَلِيفَةِ تُوُفِّيَتْ، فَاشْتُرِيَ لَهَا بَقَرٌ لِتُذْبَحَ وَيُتَصُدَّقَ بِلَحْمِهَا عَنْهَا، فَرَفَعُوا فِي حِسَابِ ثَمَنِهَا مَئُونَةَ الْبَقَرِ، فَكَانَتْ كَثِيرَةً، فَوَقَفَ الْخَلِيفَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَرَ بِإِطْلَاقِ الْمَئُونَةِ جَمِيعِهَا.
وَفِيهَا، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، أَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِبِنَاءِ دُورٍ فِي الْمَحَالِّ بِبَغْدَادَ لِيُفْطِرَ فِيهَا الْفُقَرَاءُ، وَسُمِّيَتْ دُورَ الضِّيَافَةِ، يُطْبَخُ فِيهَا اللَّحْمُ الضَّأْنُ، وَالْخُبْزُ الْجَيِّدُ، عَمَلَ ذَلِكَ فِي جَانِبَيْ بَغْدَادَ، وَجَعَلَ فِي كُلِّ دَارٍ مَنْ يُوثِقُ بِأَمَانَتِهِ، وَكَانَ يُعْطِي كُلَّ إِنْسَانٍ قَدَحًا مَمْلُوءًا مِنَ الطَّبِيخِ وَاللَّحْمِ، وَمَنًّا مِنَ الْخُبْزِ، فَكَانَ يُفْطِرُ كُلَّ لَيْلَةٍ عَلَى طَعَامِهِ خَلْقٌ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute