السُّلْطَانُ حَقِيقَةً، وَأَوْلَادُهُ، وَإِنْ كَانُوا مُلُوكًا إِلَّا أَنَّهُمْ بِحُكْمِهِ، وَالْأَمْرُ إِلَيْهِ، وَهُوَ مَلَّكَهُمُ الْبِلَادَ، فَاتَّفَقَ مَوْتُهُ وَالْحَالُ هَكَذَا مِنْ مُقَاتَلَةِ الْعَدُوِّ.
وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْأُمَرَاءِ بِمِصْرَ أَمِيرٌ يُقَالُ لَهُ عِمَادُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الْمَشْطُوبِ، وَهُوَ مِنَ الْأَكْرَادِ الْهَكَّارِيَّةِ، وَهُوَ أَكْبَرُ أَمِيرٍ بِمِصْرَ، وَلَهُ لَفِيفٌ كَثِيرٌ، وَجَمِيعُ الْأُمَرَاءِ يَنْقَادُونَ إِلَيْهِ وَيُطِيعُونَهُ لَا سِيَّمَا الْأَكْرَادُ، فَاتَّفَقَ هَذَا الْأَمْرُ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأُمَرَاءِ، وَأَرَادُوا أَنْ يَخْلَعُوا الْمَلِكَ الْكَامِلَ مِنَ الْمُلْكِ، وَيُمَلِّكُوا أَخَاهُ الْمَلِكَ الْفَائِزَ بْنَ الْعَادِلِ لِيَصِيرَ الْحُكْمُ إِلَيْهِمْ عَلَيْهِ وَعَلَى الْبِلَادِ، فَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى الْكَامِلِ، فَفَارَقَ الْمَنْزِلَةَ لَيْلًا جَرِيدَةً، وَسَارَ إِلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا أَشْمُومُ طَنَّاحَ، فَنَزَلَ عِنْدَهَا، وَأَصْبَحَ الْعَسْكَرُ وَقَدْ فَقَدُوا سُلْطَانَهُمْ، فَرَكِبَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ هَوَاهُ، وَلَمْ يَقِفِ الْأَخُ عَلَى أَخِيهِ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ خِيَامِهِمْ وَذَخَائِرِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَسْلِحَتِهِمْ إِلَّا الْيَسِيرَ الَّذِي يَخِفُّ حِمْلُهُ، وَتَرَكُوا الْبَاقِيَ بِحَالِهِ مِنْ مِيرَةٍ، وَسِلَاحٍ، وَدَوَابَّ، وَخِيَامٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَحِقُوا بِالْكَامِلِ.
وَأَمَّا الْفِرِنْجُ فَإِنَّهُمْ أَصْبَحُوا مِنَ الْغَدِ، فَلَمْ يَرَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدًا عَلَى شَاطِئِ النِّيلِ كَجَارِي عَادَتِهِمْ، فَبَقُوا لَا يَدْرُونَ مَا الْخَبَرُ، وَإِذْ قَدْ أَتَاهُمْ مَنْ أَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَعَبَرُوا حِينَئِذٍ النِّيلَ إِلَى بَرِّ دِمْيَاطَ آمِنِينَ بِغَيْرِ مُنَازِعٍ وَلَا مُمَانِعٍ، وَكَانَ عُبُورُهُمْ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَغَنِمُوا مَا فِي مُعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ عَظِيمًا يُعِجِزُ الْعَادِّينَ.
وَكَانَ الْمَلِكُ الْكَامِلُ يُفَارِقُ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَثِقْ بِأَحَدٍ مِنْ عَسْكَرِهِ، وَكَانَ الْفِرِنْجُ مَلَكُوا الْجَمِيعَ بِغَيْرِ تَعَبٍ وَلَا مَشَقَّةٍ، فَاتَّفَقَ مَنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْمَلِكَ الْمُعَظَّمَ عِيسَى ابْنَ الْمَلِكِ الْعَادِلِ وَصَلَ إِلَى أَخِيهِ الْكَامِلِ بَعْدَ هَذِهِ الْحَرَكَةِ بِيَوْمَيْنِ، وَالنَّاسُ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ، فَقَوِيَ بِهِ قَلْبُهُ وَاشْتَدَّ ظَهْرُهُ، وَثَبَتَ جَنَانُهُ، وَأَقَامَ بِمَنْزِلَتِهِ، وَأَخْرَجُوا ابْنَ الْمَشْطُوبَ إِلَى الشَّامِ، فَاتَّصَلَ بِالْمَلِكِ الْأَشْرَفِ وَصَارَ مِنْ جُنْدِهِ.
فَلَمَّا عَبَرَ الْفِرِنْجُ إِلَى أَرْضِ دِمْيَاطَ اجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ عَلَى اخْتِلَافِ قَبَائِلِهَا، وَنَهَبُوا الْبِلَادَ الْمُجَاوِرَةَ لِدِمْيَاطَ، وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ، وَأَفْسَدُوا، وَبَالَغُوا فِي الْإِفْسَادِ، فَكَانُوا أَشَدَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute