عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَكَانَ أَضَرُّ شَيْءٍ عَلَى أَهْلِ دِمْيَاطَ أَنَّهَا لَمْ يَكُنْ بِهَا مِنَ الْعَسْكَرِ أَحَدٌ ; لِأَنَّ السُّلْطَانَ وَمِنْ مَعَهُ مِنَ الْعَسَاكِرِ كَانُوا عِنْدَهَا يَمْنَعُونَ الْعَدُوَّ عَنْهَا، فَأَتَتْهُمْ هَذِهِ الْحَرَكَةُ بَغْتَةً، فَلَمْ يَدْخُلْهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ ابْنِ الْمَشْطُوبِ، لَا جَرَمَ لَمْ يُمْهِلْهُ اللَّهُ، وَأَخَذَهُ أَخْذَةً رَابِيَةً، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَأَحَاطَ الْفِرِنْجُ بِدِمْيَاطَ، وَقَاتَلُوهَا بَرًّا وَبَحْرًا، وَعَمِلُوا عَلَيْهِمْ خَنْدَقًا يَمْنَعُهُمْ مِمَّنْ يُرِيدُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ كَانَتْ عَادَتُهُمْ، وَأَدَامُوا الْقِتَالَ، وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَى أَهْلِهَا، وَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِمُ الْأَقْوَاتُ وَغَيْرُهَا، وَسَئِمُوا الْقِتَالَ وَمُلَازَمَتَهُ، لِأَنَّ الْفِرِنْجَ كَانُوا يَتَنَاوَبُونَ الْقِتَالَ عَلَيْهِمْ لِكَثْرَتِهِمْ، وَلَيْسَ بِدِمْيَاطَ مِنَ الْكَثْرَةِ مَا يَجْعَلُونَ الْقِتَالَ بَيْنَهُمْ مُنَاوَبَةً، وَمَعَ هَذَا فَقَدَ صَبَرُوا صَبْرًا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِيهِمْ وَالْجِرَاحُ وَالْمَوْتُ وَالْأَمْرَاضُ، وَدَامَ الْحِصَارُ عَلَيْهِمْ إِلَى السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَعَجَزَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِهَا عَنِ الْحِفْظِ لِقِلَّتِهِمْ، وَتَعَذُّرِ الْقُوتِ عِنْدَهُمْ، فَسَلَّمُوا الْبَلَدَ إِلَى الْفِرِنْجِ، فِي هَذَا التَّارِيخِ، بِالْأَمَانِ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ قَوْمٌ وَأَقَامَ آخَرُونَ لِعَجْزِهِمْ عَنِ الْحَرَكَةِ، فَتَفَرَّقُوا أَيْدِي سَبَا.
ذِكْرُ مُلْكِ الْمُسْلِمِينَ دِمْيَاطَ مِنَ الْفِرِنْجِ
لَمَّا مَلَكَ الْفِرِنْجُ دِمْيَاطَ أَقَامُوا بِهَا، وَبَثُّوا سَرَايَاهُمْ فِي كُلِّ مَا جَاوَرَهُمْ مِنِ الْبِلَادِ، يَنْهَبُونَ وَيَقْتُلُونَ، فَجَلَا أَهْلُهَا عَنْهَا، وَشَرَعُوا فِي عِمَارَتِهَا وَتَحْصِينِهَا، وَبَالَغُوا فِي ذَلِكَ حَتَّى إِنَّهَا بَقِيَتْ لَا تُرَامُ.
وَأَمَّا الْمَلِكُ الْكَامِلُ فَإِنَّهُ أَقَامَ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ فِي أَطْرَافِ بِلَادِهِ يَحْمِيهَا مِنْهُمْ.
وَلَمَّا سَمِعَ الْفِرِنْجُ فِي بِلَادِهِمْ بِفَتْحِ دِمْيَاطَ عَلَى أَصْحَابِهِمْ أَقْبَلُوا إِلَيْهِمْ يُهْرَعُونَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، وَأَصْبَحَتْ دَارَ هِجْرَتِهِمْ، وَعَادَ الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ صَاحِبُ دِمَشْقَ إِلَى الشَّامِ فَخَرَّبَ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ كَافَّةً خَافُوا الْفِرِنْجَ، وَأَشْرَفَ الْإِسْلَامُ وَجَمِيعُ أَهْلِهِ وَبِلَادِهِ عَلَى خُطَّةِ خَسَفٍ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا: أَقْبَلَ التَّتَرُ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute