وَنَزَلُوا مُقَابِلَهُ، بَيْنَهُمَا خَلِيجٌ مِنَ النِّيلِ يُسَمَّى بَحْرَ أَشْمُومَ، وَهُمْ يَرْمُونَ بِالْمَنْجَنِيقِ وَالْجَرْخِ إِلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ تَيَقَّنُوا هُمْ وَكُلُّ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ
وَأَمَّا الْأَشْرَفُ فَإِنَّهُ سَارَ حَتَّى وَصَلَ مِصْرَ، فَلَمَّا سَمِعَ أَخُوهُ الْكَامِلُ بِقُرْبِهِ مِنْهُمْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ، فَلَقِيَهُ، وَاسْتَبْشَرَ هُوَ وَسَائِرُ الْمُسْلِمِينَ بِاجْتِمَاعِهِمَا، لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بِذَلِكَ نَصْرًا وَظَفَرًا.
وَأَمَّا الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ، صَاحِبُ دِمَشْقَ، فَإِنَّهُ سَارَ أَيْضًا إِلَى دِيَارِ مِصْرَ، وَقَصَدَ دِمْيَاطَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ أَخَوَيْهِ وَعَسْكَرَيْهِمَا قَدْ نَازَلُوهَا، وَقِيلَ بَلْ أُخْبِرَ فِي الطَّرِيقِ أَنِ الْفِرِنْجَ قَدْ تَوَجَّهُوا إِلَى دِمْيَاطَ، فَسَابَقَهُمْ إِلَيْهَا لِيَلْقَاهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، وَأَخَوَاهُ مِنْ خَلْفِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا اجْتَمَعَ الْأَشْرَفُ بِالْكَامِلِ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّقَدُّمِ إِلَى خَلِيجٍ مِنَ النِّيلِ يُعْرَفُ بِبَحْرِ الْمَحَلَّةِ، فَتَقَدَّمُوا إِلَيْهِ، فَقَاتَلُوا الْفِرِنْجَ، وَازْدَادُوا قُرْبًا، وَتَقَدَّمَتْ شَوَانِي الْمُسْلِمِينَ مِنَ النِّيلِ، وَقَاتَلُوا شَوَانِي الْفِرِنْجَ، فَأَخَذُوا مِنْهَا ثَلَاثَ قِطَعٍ بِمَنْ فِيهَا مِنَ الرِّجَالِ، وَمَا فِيهَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَالسِّلَاحِ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ، وَاسْتَبْشَرُوا، وَتَفَاءَلُوا، وَقَوِيَتْ نُفُوسُهُمْ، وَاسْتَطَالُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ.
هَذَا يَجْرِي وَالرُّسُلُ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَهُمْ قِي تَقْرِيرِ قَاعِدَةِ الصُّلْحِ، وَبَذَلَ الْمُسْلِمُونَ لَهُمْ تَسْلِيمَ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، وَعَسْقَلَانَ، وَطَبَرِيَّةَ، وَصَيْدَا، وَجَبَلَةَ، وَاللَّاذِقِيَّةَ، وَجَمِيعَ مَا فَتَحَهُ صَلَاحُ الدِّينِ مِنَ الْفِرِنْجِ بِالسَّاحِلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مَا عَدَا الْكَرَكَ، لِيُسَلِّمُوا دِمْيَاطَ، فَلَمْ يَرْضَوْا وَطَلَبُوا ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ عِوَضًا عَنْ تَخْرِيبِ الْقُدْسِ لِيَعْمُرُوهُ بِهَا، فَلَمْ يَتِمَّ بَيْنَهُمْ أَمْرٌ وَقَالُوا: لَا بُدَّ مِنَ الْكَرَكِ.
فَبَيْنَمَا الْأَمْرُ فِي هَذَا، وَهُمْ يَمْتَنِعُونَ، اضْطَرَّ الْمُسْلِمُونَ إِلَى قِتَالِهِمْ، وَكَانَ الْفِرِنْجُ لِاعْتِدَادِهِمْ بِنُفُوسِهِمْ لَمْ يَسْتَصْحِبُوا مَعَهُمْ مَا يَقُوتُهُمْ عِدَّةَ أَيَّامٍ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْعَسَاكِرَ الْإِسْلَامِيَّةَ لَا تَقُومُ لَهُمْ، وَأَنَّ الْقُرَى وَالسَّوَادَ جَمِيعُهُ يَبْقَى بِأَيْدِيهِمْ، يَأْخُذُونَ مِنْهُ مَا أَرَادُوا مِنِ الْمِيرَةِ، لِأَمْرٍ يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ، فَعَبَرَ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي عَلَيْهَا الْفِرِنْجُ، فَفَجَّرُوا النِّيلَ، فَرَكِبَ الْمَاءُ أَكْثَرَ تِلْكَ الْأَرْضِ، وَلَمْ يَبْقَ لِلْفِرِنْجِ جِهَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute