أَحَدُهُمْ، وَمَعَهُ وَلَدَانِ لَهُ، وَشَيْءٌ يَسِيرٌ مِنَ الْمَالِ، فَسَيَّرَ مَا سَلِمَ مَعَهُ إِلَى الشَّامِ مَعَ الْوَلَدَيْنِ لِيَتَّجِرَ بِمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَيُنْفِقُونَهُ عَلَى نُفُوسِهِمْ، فَمَاتَ أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ بِدِمَشْقَ، وَاحْتَاطَ الْحَاكِمُ عَلَى مَا مَعَهُمْ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَاهُمْ عَلَى حَالَةٍ شَدِيدَةٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ، يَقُولُ: أُخِذَتِ الْأَمْوَالُ وَالْأَمْلَاكُ، وَقُتِلَ بَعْضُ الْأَهْلِ، وَفَارَقَ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمُ الْوَطَنَ بِهَذَا الْقَدْرِ الْحَقِيرِ، أَرَدْنَا [أَنْ] نَكُفَّ بِهِ وُجُوهَنَا مِنَ السُّؤَالِ، وَنَصُونَ أَنْفُسَنَا، فَقَدْ ذَهَبَ الْوَلَدُ وَالْمَالُ.
ثُمَّ سَارَ إِلَى دِمَشْقَ لِيَأْخُذَ مَا سَلِمَ مَعَ ابْنِهِ الْآخَرِ، فَأَخَذَهُ وَعَادَ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ شَهْرٍ حَتَّى تُوُفِّيَ، إِنَّ الشَّقِيَّ بِكُلِّ حَبْلٍ يُخْنَقُ.
وَأَمَّا جَلَالُ الدِّينِ فَإِنَّهُ لَمَّا فَعَلَ بِأَهْلِ دَقُوقَا مَا فَعَلَ، خَافَهُ أَهْلُ الْبَوَازِيجِ، وَهِيَ لِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ يَطْلُبُونَ مِنْهُ إِرْسَالَ شِحْنَةٍ إِلَيْهِمْ يَحْمِيهِمْ، وَبَذَلُوا لَهُ شَيْئًا مِنَ الْمَالِ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَسَيَّرَ إِلَيْهِمْ مَنْ يَحْمِيهِمْ، قِيلَ: كَانَ بَعْضُ أَوْلَادِ جَنْكِزْخَانَ مَلِكِ التَّتَرِ، أَسَرَهُ جَلَالُ الدِّينِ فِي بَعْضِ حُرُوبِهِ مَعَ التَّتَرِ، فَأَكْرَمَهُ، فَحَمَاهُمْ، وَأَقَامَ بِمَكَانِهِ إِلَى أَوَاخِرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَالرُّسُلُ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُظَفَّرِ الدِّينِ صَاحِبِ إِرْبِلَ، فَاصْطَلَحُوا، فَسَارَ جَلَالُ الدِّينِ إِلَى أَذْرَبِيجَانَ، وَفِي مُدَّةِ مُقَامِ جَلَالِ الدِّينِ بِخُوزِسْتَانَ وَالْعِرَاقِ ثَارَتِ الْعَرَبُ بِالْبِلَادِ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ، وَيَنْهَبُونَ الْقُرَى، وَيُخِيفُونَ السَّبِيلَ، فَنَالَ الْخَلْقَ مِنْهُمْ أَذًى شَدِيدٌ، وَأَخَذُوا فِي طَرِيقِ الْعِرَاقِ قَفَلَيْنِ عَظِيمَيْنِ كَانَا سَائِرَيْنِ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمَا شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ.
ذِكْرُ وَفَاةِ الْمَلِكِ الْأَفْضَلِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُلُوكِ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي صَفَرٍ، تُوُفِّيَ الْمَلِكُ الْأَفْضَلُ عَلِيُّ بْنُ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ فَجْأَةً بِقَلْعَةِ سُمَيْسَاطَ، وَكَانَ عُمْرُهُ نَحْوَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَقَدْ ذَكَرْنَا سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ عِنْدَ وَفَاةِ وَالِدِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُلْكَهُ مَدِينَةَ دِمَشْقَ وَالْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ، وَغَيْرَهُمَا مِنَ الشَّامِ، وَذَكَرْنَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ أَخْذَ الْجَمِيعِ مِنْهُ، ثُمَّ ذَكَرْنَا سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ مُلْكَهُ دِيَارَ مِصْرَ، وَذَكَرْنَا سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ أَخْذَهَا مِنْهُ، وَانْتَقَلَ إِلَى سُمَيْسَاطَ وَأَقَامَ بِهَا، وَلَمْ يَزَلْ بِهَا إِلَى الْآنَ، فَتُوُفِّيَ بِهَا.
وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ مَحَاسِنِ الزَّمَانِ، لَمْ يَكُنْ فِي الْمُلُوكِ مِثْلُهُ، كَانَ خَيِّرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute