للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُدَبِّرُ لِدَوْلَتِهِ وَدَوْلَةِ وَالِدِهِ مُعِينَ الدِّينِ بَدْرَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَغْدَادِيَّ الْأَصْلِ، الْمَوْصِلِيَّ الْمَنْشَأِ.

ذِكْرُ خَلْعِ شِرْوَانَ شَاهْ، وَظَفَرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْكُرْجِ.

فِي هَذِهِ السَّنَةِ ثَارَ عَلَى شِرْوَانَ شَاهْ وَلَدُهُ، فَنَزَعَهُ مِنَ الْمُلْكِ، وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْبِلَادِ، وَمَلَكَ بَعْدَهُ.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ شِرَوَانَ شَاهْ كَانَ سَيِّئَ السِّيرَةِ، كَثِيرَ الْفَسَادِ وَالظُّلْمِ، يَتَعَرَّضُ لِأَمْوَالِ الرَّعَايَا وَأَمْلَاكِهِمْ، وَقِيلَ أَيْضًا: إِنَّهُ كَانَ يَتَعَرَّضُ لِلنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ، فَاشْتَدَّتْ وَطْأَتُهُ عَلَى النَّاسِ، فَاتَّفَقَ بَعْضُ الْعَسْكَرِ مَعَ وَلَدِهِ، وَأَخْرَجُوا أَبَاهُ مِنَ الْبِلَادِ، وَمَلَكَ الِابْنُ، وَأَحْسَنَ السِّيرَةَ، فَأَحَبَّهُ الْعَسَاكِرُ وَالرَّعِيَّةُ، وَأَرْسَلَ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ يَقُولُ لَهُ: إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَتْرُكَكَ فِي بَعْضِ الْقِلَاعِ وَأُجْرِيَ لَكَ الْجِرَايَاتِ الْكَثِيرَةَ، وَلِكُلِّ مَنْ تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَكَ، وَالَّذِي حَمَلَنِي عَلَى مَا فَعَلْتُ مَعَكَ سُوءُ سِيرَتِكَ وَظُلْمُكَ لِأَهْلِ الْبِلَادِ، وَكَرَاهِيَتُهُمْ لَكَ وَلِدَوْلَتِكَ.

فَلَمَّا رَأَى الْأَبُ ذَلِكَ، سَارَ إِلَى الْكُرْجِ وَاسْتَنْصَرَ بِهِمْ، وَقَرَّرَ مَعَهُمْ أَنْ يُرْسِلُوا مَعَهُ عَسْكَرًا يُعِيدُونَهُ إِلَى مُلْكِهِ، وَيُعْطِيهِمْ نِصْفَ الْبِلَادِ، فَسَيَّرُوا مَعَهُ عَسْكَرًا كَثِيرًا، فَسَارَ حَتَّى قَارَبَ مَدِينَةَ شِرْوَانَ، فَجَمَعَ وَلَدُهُ الْعَسْكَرَ، وَأَعْلَمَهُمُ الْحَالَ، وَقَالَ: إِنَّ الْكُرْجَ مَتَى حَصَرُونَا، رُبَّمَا ظَفِرُوا بِنَا، وَحِينَئِذٍ لَا يُبْقِي أَبِي عَلَى أَحَدٍ مِنَّا، وَيَأْخُذُ الْكُرْجُ نِصْفَ الْبِلَادِ، وَرُبَّمَا أَخَذُوا الْجَمِيعَ، وَهَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَالرَّأْيُ أَنَّنَا نَسِيرُ إِلَيْهِمْ جَرِيدَةً وَنَلْقَاهُمْ، فَإِنْ ظَفِرْنَا بِهِمْ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَإِنْ ظَفِرُوا بِنَا فَالْحَصْرُ بَيْنَ أَيْدِينَا، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ.

فَخَرَجَ فِي عَسْكَرِهِ، وَهُمْ قَلِيلٌ نَحْوُ أَلْفِ فَارِسٍ، وَلَقُوا الْكُرْجَ وَهُمْ فِي ثَلَاثَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ، فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا، وَصَبَرَ أَهْلُ شِرْوَانَ، فَانْهَزَمَ الْكُرْجُ، فَقُتِلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَأُسِرَ كَثِيرٌ، وَمَنْ سَلِمَ عَادَ بِأَسْوَأِ حَالٍ، وَشِرْوَانَ شَاهْ الْمَخْلُوعُ مَعَهُمْ، فَقَالَ لَهُ مُقَدَّمُو الْكُرْجِ: إِنَّنَا لَمْ نَلْقَ بِسَبَبِكَ خَيْرًا، وَلَا نُؤَاخِذُكَ بِمَا كَانَ مِنْكَ، فَلَا تُقِمْ بِبِلَادِنَا، فَفَارَقَهُمْ وَبَقِيَ مُتَرَدِّدًا لَا يَأْوِي إِلَى أَحَدٍ، وَاسْتَقَرَّ وَلَدُهُ فِي الْمُلْكِ، وَأَحْسَنَ إِلَى الْجُنْدِ وَالرَّعِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>