للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا عَادَ إِلَى هَمَذَانَ، نَهَبَ أَذْرَبِيجَانَ أَيْضًا مَرَّةً ثَانِيَةً.

وَكَانَ سَبَبُ مَسِيرِهِ إِلَى هَمَذَانَ أَنَّ الْخَلِيفَةَ النَّاصِرَ لِدِينِ اللَّهِ رَاسَلَهُ وَأَمَرَهُ بِقَصْدِ هَمَذَانَ، وَأَقْطَعَهُ إِيَّاهَا وَغَيْرَهَا، فَسَارَ لِيَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا كَمَا أُمِرَ، فَلَمَّا سَمِعَ جَلَالُ الدِّينِ بِذَلِكَ، سَارَ جَرِيدَةً إِلَيْهِ، فَوَصَلَ إِلَى إِيغَانَ طَائِيسِي لَيْلًا، وَكَانَ إِذَا نَزَلَ جَعَلَ حَوْلَ عَسْكَرِهِ جَمِيعَ مَا غَنِمُوا مِنْ أَذْرَبِيجَانَ وَأَرَّانَ مِنْ خَيْلٍ وَبِغَالٍ، وَحَمِيرٍ وَبَقَرٍ، وَغَنَمٍ. فَلَمَّا وَصَلَ جَلَالُ الدِّينِ، أَحَاطَ بِالْجَمِيعِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ عَسْكَرُ إِيغَانَ طَائِيسِي وَرَأَى الْعَسْكَرَ وَالْجَتْرَ الَّذِي يَكُونُ عَلَى رَأْسِ السُّلْطَانِ، عَلِمُوا أَنَّهُ جَلَالُ الدِّينِ، فَسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَظُنُّونَهُ عِنْدَ دَقُوقَا، فَأَرْسَلَ إِيغَانُ طَائِيسِي زَوْجَتَهُ، وَهِيَ أُخْتُ جَلَالِ الدِّينِ، تَطْلُبُ لَهُ الْأَمَانَ، فَأَمَّنَهُ وَأَحْضَرَهُ عِنْدَهُ، وَانْضَافَ عَسْكَرُهُ إِلَى عَسْكَرِ جَلَالِ الدِّينِ، وَبَقِيَ إِيغَانُ طَائِيسِي وَحْدَهُ إِلَى أَنْ أَضَافَ إِلَيْهِ جَلَالُ الدِّينِ عَسْكَرًا غَيْرَ عَسْكَرِهِ، وَعَادَ إِلَى مَرَاغَةَ، وَأَعْجَبَهُ الْمُقَامُ بِهَا.

وَكَانَ أُوزْبَكُ بْنُ الْبَهْلَوَانِ صَاحِبُ أَذْرَبِيجَانَ وَأَرَّانَ، قَدْ سَارَ مِنْ تِبْرِيزَ إِلَى كَنْجَةَ خَوْفًا مِنْ جَلَالِ الدِّينِ، وَأَرْسَلَ جَلَالُ الدِّينِ إِلَى مَنْ فِي تِبْرِيزَ مِنْ وَالٍ وَأَمِيرٍ وَرَئِيسٍ يَطْلُبُ مِنْهُمْ أَنْ يَتَرَدَّدَ عَسْكَرُهُ إِلَيْهِمْ يَمْتَارُونَ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ وَأَطَاعُوهُ، فَتَرَدَّدَ الْعَسْكَرُ إِلَيْهَا، وَبَاعُوا وَاشْتَرَوُا الْأَقْوَاتَ وَالْكِسْوَاتِ وَغَيْرَهَا، وَمَدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى أَمْوَالِ النَّاسِ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَأْخُذُ الشَّيْءَ وَيُعْطِي الثَّمَنَ مَا يُرِيدُ، فَشَكَا بَعْضُ أَهْلِ تِبْرِيزَ إِلَى جَلَالِ الدِّينِ مِنْهُمْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ شِحْنَةً يَكُونُ عِنْدَهُمْ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيمَ بِتِبْرِيزَ، وَيَكُفَّ أَيْدِيَ الْجُنْدِ عَنْ أَهْلِهَا، وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ صَلَبَهُ.

فَأَقَامَ الشِّحْنَةَ، وَمُنِعَ الْجُنْدُ مِنَ التَّعَدِّي عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَكَانَتْ زَوْجَةُ أُوزْبَكَ، وَهِيَ ابْنَةُ السُّلْطَانِ طُغْرُلَ بْنِ أَرْسِلَانَ بْنِ طُغْرُلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَلِكْشَاهْ، مُقِيمَةً بِتِبْرِيزَ، وَهِيَ كَانَتِ الْحَاكِمَةَ فِي بِلَادِ زَوْجِهَا، وَهُوَ مَشْغُولٌ بِلَذَّاتِهِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلَعِبٍ.

ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ تِبْرِيزَ شَكَوْا مِنَ الشِّحْنَةِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ يُكَلِّفُنَا أَكْثَرَ مِنْ طَاقَتِنَا، فَأَمَرَ جَلَالُ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى إِلَّا مَا يُقِيمُ بِهِ لَا غَيْرَ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَسَارَ جَلَالُ الدِّينِ إِلَى تِبْرِيزَ وَحَصَرَهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَقَاتَلَ أَهْلُهَا قِتَالًا شَدِيدًا، وَزَحَفَ إِلَيْهَا فَوَصَلَ الْعَسْكَرُ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>