السُّورِ، فَأَذْعَنَ أَهْلُهَا بِالطَّاعَةِ، وَأَرْسَلُوا يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَذُمُّهُمْ، وَيَقُولُ: قَتَلُوا أَصْحَابَنَا الْمُسْلِمِينَ، وَأَرْسَلُوا رُؤُوسَهُمْ إِلَى التَّتَرِ الْكُفَّارِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْحَادِثَةُ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَخَافُوا مِنْهُ لِذَلِكَ، فَلَمَّا طَلَبُوا الْأَمَانَ ذَكَرَ لَهُمْ فِعْلَهُمْ بِأَصْحَابِ أَبِيهِ وَقَتْلَهُمْ، فَاعْتَذَرُوا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ صَاحِبُهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنَ الْقُدْرَةِ مَا يَمْنَعُونَهُ، فَعَذَرَهُمْ، وَأَمَّنَهُمْ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُؤَمِّنَ زَوْجَةَ أُوزْبَكَ، وَلَا يُعَارِضَهَا فِي الَّذِي لَهَا بِأَذْرَبِيجَانَ، وَهُوَ مَدِينَةُ خُوَيٍّ وَغَيْرُهَا مِنْ مُلْكٍ وَمَالٍ وَغَيْرِهِ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ.
وَمَلَكَ الْبَلَدَ سَابِعَ عَشَرَ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَسَيَّرَ زَوْجَةَ أُوزْبَكَ إِلَى خُوَيٍّ، وَمَعَهَا طَائِفَةٌ مِنَ الْعَسْكَرِ، مَعَ رَجُلٍ كَبِيرِ الْقَدْرِ، عَظِيمِ الْمَنْزِلَةِ، وَأَمَرَهُمْ بِخِدْمَتِهَا، فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى خُوَيٍّ عَادُوا عَنْهَا.
وَلَمَّا رَحَلَ جَلَالُ الدِّينِ إِلَى تِبْرِيزَ، أَمَرَ أَنْ لَا يَمْنَعُوا عَنْهُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهَا، فَأَتَاهُ النَّاسُ مُسَلِّمِينَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُحْجَبُوا عَنْهُ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَبَثَّ فِيهِمُ الْعَدْلَ، وَوَعَدَهُمُ الْإِحْسَانَ وَالزِّيَادَةَ مِنْهُ، وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ رَأَيْتُمْ مَا فَعَلْتُ بِمَرَاغَةَ مِنَ الْإِحْسَانِ وَالْعِمَارَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ خَرَابًا، وَسَتَرَوْنَ كَيْفَ أَصْنَعُ مَعَكُمْ مِنَ الْعَدْلِ فِيكُمْ، وَعِمَارَةِ بِلَادِكُمْ.
وَأَقَامَ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَحَضَرَ الْجَامِعَ، فَلَمَّا خَطَبَ الْخَطِيبُ وَدَعَا لِلْخَلِيفَةِ، قَامَ قَائِمًا، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الدُّعَاءِ وَجَلَسَ.
وَدَخَلَ إِلَى كُشْكٍ كَانَ أُوزْبَكُ قَدْ عَمَرَهُ، وَأَخْرَجَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَمْوَالِ كَثِيرًا، فَهُوَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، مُشْرِفٌ عَلَى الْبَسَاتِينِ، فَلَمَّا طَافَ فِيهِ، خَرَجَ مِنْهُ وَقَالَ: هَذَا مَسْكَنُ الْكُسَالَى لَا يَصْلُحُ لَنَا. وَأَقَامَ أَيَّامًا اسْتَوْلَى فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ، وَسَيَّرَ الْجُيُوشَ إِلَى بِلَادِ الْكُرْجِ.
ذِكْرُ انْهِزَامِ الْكُرْجِ مِنْ جَلَالِ الدِّينِ.
قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَ السِّنِينَ مَا كَانَ الْكُرْجُ يَفْعَلُونَهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ: خِلَاطَ، وَأَذْرَبِيجَانَ، وَأَرَّانَ، وَأَرْزَنَ الرُّومِ، وَدَرْبَنَدْ شِرْوَانَ، وَهَذِهِ وِلَايَاتٌ تُجَاوِرُ بِلَادَهُمْ، وَمَا كَانُوا يَسْفِكُونَ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَنْهَبُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمْلِكُونَ مِنْ بِلَادِهِمْ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُمْ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ تَحْتَ الذُّلِّ وَالْخِزْيِ، كُلَّ يَوْمٍ قَدْ أَغَارُوا عَلَيْهِمْ وَقَتَلُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute