للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِمْ، وَقَاطَعُوهُمْ عَلَى مَا شَاءُوا مِنَ الْأَمْوَالِ، فَكُنَّا كُلَّمَا سَمِعْنَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، سَأَلْنَا اللَّهَ - تَعَالَى - نَحْنُ وَالْمُسْلِمُونَ، فِي أَنْ يُيَسِّرَ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ مَنْ يَحْمِيهِمْ وَيَنْصُرُهُمْ، وَيَأْخُذُ بِثَأْرِهِمْ، فَإِنَّ أُوزْبَكَ صَاحِبَ أَذْرَبِيجَانَ مُنْعَكِفٌ عَلَى شَهْوَةِ بَطْنِهِ وَفَرْجِهِ، لَا يُفِيقُ مِنْ سُكْرِهِ، وَإِنْ أَفَاقَ، فَهُوَ مَشْغُولٌ بِالْقِمَارِ بِالْبَيْضِ.

وَهَذَا مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُلُوكِ فَعَلَهُ، لَا يَهْتَدِي لِمَصْلَحَةٍ، وَلَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ بِحَيْثُ إِنَّ بِلَادَهُ مَأْخُوذَةٌ، وَعَسَاكِرَهُ طَمَّاعَةٌ، وَرَعِيَّتَهُ قَدْ قَهَرَهَا، وَقَدْ كَانَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ جَمْعًا وَيَتَغَلَّبَ عَلَى بَعْضِ الْبِلَادِ فَعَلَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَالِ بُغْدِي، وَأَيْبَكَ الشَّامِيِّ، وإِيغَانَ طَائِيسِي، فَنَظَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - إِلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ الْمَسَاكِينِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ، فَرَحِمَهُمْ وَيَسَّرَ لَهُمْ جَلَالُ الدِّينِ هَذَا، فَفَعَلَ بِالْكُرْجِ مَا تَرَاهُ، وَانْتَقَمَ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، فَنَقُولُ:

فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ الْمَصَافُّ بَيْنَ جَلَالِ الدِّينِ بْنِ خُوَارَزْمَ شَاهْ [وَبَيْنَ الْكُرْجِ، فِي شَهْرِ شَعْبَانَ، فَإِنَّ جَلَالَ الدِّينِ] مِنْ حِينِ وَصَلَ إِلَى هَذِهِ النَّوَاحِي لَا يَزَالُ يَقُولُ: إِنَّنِي أُرِيدُ [أَنْ] أَقْصِدَ بِلَادَ الْكُرْجِ وَأُقَاتِلَهُمْ وَأَمْلِكَ بِلَادَهُمْ، فَلَمَّا مَلَكَ أَذْرَبِيجَانَ، أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يُؤْذِنُهُمْ بِالْحَرْبِ، فَأَجَابُوهُ بِأَنَّنَا قَدْ قَصَدْنَا التَّتَرَ الَّذِينَ فَعَلُوا بِأَبِيكَ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْكَ مُلْكًا، وَأَكْثَرُ عَسْكَرًا، وَأَقْوَى نَفْسًا، مَا تَعْلَمُهُ، وَأَخَذُوا بِلَادَكُمْ، فَلَمْ نُبَالِ بِهِمْ، وَكَانَ قُصَارَاهُمُ السَّلَامَةَ مِنَّا.

وَشَرَعُوا يَجْمَعُونَ الْعَسَاكِرَ، فَجَمَعُوا مَا يَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ، فَمَلَكَ مَدِينَةَ دَوِينَ، وَهِيَ لِلْكُرْجِ، كَانُوا قَدْ أَخَذُوهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَسَارَ مِنْهَا إِلَيْهِمْ، فَلَقُوهُ وَقَاتَلُوهُ أَشَدَّ قِتَالٍ وَأَعْظَمَهُ، وَصَبَرَ كُلٌّ مِنْهُمْ لِصَاحِبِهِ، فَانْهَزَمَ الْكُرْجُ، وَأَمَرَ أَنْ يُقْتَلُوا بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَلَا يُبْقُوا عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَالَّذِي تَحَقَّقْنَاهُ أَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفًا، وَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ: الْكُرْجُ جَمِيعُهُمْ قُتِلُوا، وَافْتَرَقُوا، وَأُسِرَ كَثِيرٌ مِنْ أَعْيَانِهِمْ، مِنْ جُمْلَتِهِمْ شِلْوَةُ، فَتَمَّتِ الْهَزِيمَةُ عَلَيْهِمْ، وَمَضَى إِيَوَانِي مُنْهَزِمًا، وَهُوَ الْمُقَدَّمُ عَلَى الْكُرْجِ جَمِيعِهِمْ، وَمَرْجِعُهُمْ إِلَيْهِ، وَمُعَوَّلُهُمْ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَلِكٌ، إِنَّمَا الْمَلِكُ امْرَأَةٌ، وَلَقَدْ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ يَقُولُ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» .

<<  <  ج: ص:  >  >>