للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا انْهَزَمَ إِيوَانِي، أَدْرَكَهُ الطَّلَبُ، فَصَعِدَ قَلْعَةً لَهُمْ عَلَى طَرِيقِهِمْ، فَاحْتَمَى فِيهَا، وَجَعَلَ جَلَالُ الدِّينِ عَلَيْهَا مَنْ يَحْصُرُهَا وَيَمْنَعُهُ مِنَ النُّزُولِ، وَفَرَّقَ عَسَاكِرَهُ فِي بِلَادِ الْكُرْجِ، يَنْهَبُونَ وَيَقْتُلُونَ، وَيَسْبُونَ وَيُخَرِّبُونَ الْبِلَادَ، فَلَوْلَا مَا أَتَاهُ مِنْ تِبْرِيزَ مَا أَوْجَبَ عَوْدَهُ، لَمَلَكَ الْبِلَادَ بِغَيْرِ تَعَبٍ وَلَا مَشَقَّةٍ ; لِأَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا قَدْ هَلَكُوا، فَهُمْ بَيْنَ قَتِيلٍ وَأَسِيرٍ وَطَرِيدٍ.

ذِكْرُ عَوْدِ جَلَالِ الدِّينِ إِلَى تِبْرِيزَ، وَمُلْكِهِ مَدِينَةَ كَنْجَةَ، وَنِكَاحِهِ زَوْجَةَ أُوزْبَكَ.

لَمَّا فَرَغَ جَلَالُ الدِّينِ مِنْ هَزِيمَةِ الْكُرْجِ، وَدَخَلَ الْبِلَادَ وَبَثَّ الْعَسَاكِرَ فِيهَا، أَمَرَهُمْ بِالْمُقَامِ بِهَا مَعَ أَخِيهِ غِيَاثِ الدِّينِ، وَعَادَ إِلَى تِبْرِيزَ.

وَسَبَبُ عَوْدِهِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ خَلَّفَ وَزِيرَهُ شَرَفَ الْمُلْكِ فِي تِبْرِيزَ لِيَحْفَظَ الْبَلَدَ، وَيَنْظُرَ فِي مَصَالِحِ الرَّعِيَّةِ، فَبَلَغَهُ عَنْ رَئِيسِ تِبْرِيزَ وَشَمْسِ الدِّينِ الطُّغْرَائِيِّ، وَهُوَ الْمُقَدَّمُ عَلَى كُلِّ مَنْ فِي الْبَلَدِ، وَعَنْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْمُقَدَّمِينَ، أَنَّهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا، وَتَحَالَفُوا عَلَى الِامْتِنَاعِ عَلَى جَلَالِ الدِّينِ، وَإِعَادَةِ الْبَلَدِ إِلَى أُوزْبَكَ، وَقَالُوا: إِنَّ جَلَالَ الدِّينِ قَدْ قَصَدَ بِلَادَ الْكُرْجِ، فَإِذَا عَصَيْنَا عَلَيْهِ وَأَحْضَرْنَا أُوزْبَكَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْعَسَاكِرِ، يُضْطَرُّ جَلَالُ الدِّينِ إِلَى الْعَوْدِ، فَإِذَا عَادَ تَبِعَهُ الْكُرْجُ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُقَامِ، وَيَجْتَمِعُ أُوزْبَكُ وَالْكُرْجُ وَيَقْصِدُونَهُ، فَيَنْحَلُّ نِظَامُ أَمْرِهِ، وَتَتِمُّ عَلَيْهِ الْهَزِيمَةُ.

فَبَنَوْا أَمْرَهُمْ عَلَى أَنَّ جَلَالَ الدِّينِ يَسِيرُ الْهُوَيْنَا إِلَى بِلَادِ الْكُرْجِ، وَيَتَرَيَّثُ فِي الطَّرِيقِ احْتِيَاطًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ، أَتَى الْخَبَرُ إِلَى الْوَزِيرِ، فَأَرْسَلَ إِلَى جَلَالِ الدِّينِ يُعَرِّفُهُ الْحَالَ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ وَقَدْ قَارَبَ بِلَادَ الْكُرْجِ، فَلَمْ يُظْهِرْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَسَارَ نَحْوَ الْكُرْجِ مُجِدًّا، فَلَقِيَهُمْ وَهَزَمَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُمْ، قَالَ لِأُمَرَاءِ عَسْكَرِهِ: إِنَّنِي قَدْ بَلَغَنِي مِنَ الْخَبَرِ كَذَا وَكَذَا، فَتُقِيمُونَ أَنْتُمْ فِي الْبِلَادِ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ قَتْلِ مَنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ، وَتَخْرِيبِ مَا أَمْكَنَكُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ، فَإِنَّنِي خِفْتُ أَنْ أُعَرِّفَكُمْ قَبْلَ هَزِيمَةِ الْكُرْجِ ; لِئَلَّا يَلْحَقَكُمْ وَهَنٌ وَخَوْفٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>