للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُتَّقِي، وَالرَّاشِدُ بِاللَّهِ ابْنُ أَخِيهِ، فَجَمْعُ مَنْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ مِمَّنْ لَيْسَ فِي سِيَاقِ نَسَبِ النَّاصِرِ تِسْعَةَ عَشَرَ خَلِيفَةً.

وَكَانَتْ أُمُّ النَّاصِرِ أُمَّ وَلَدٍ، تُرْكِيَّةً، اسْمُهَا زُمُرُّدُ، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَعَشْرَةَ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَكَانَ عُمْرُهُ نَحْوَ سَبْعِينَ سَنَةً تَقْرِيبًا، فَلَمْ يَلِ الْخِلَافَةَ أَطْوَلَ مُدَّةً مِنْهُ إِلَّا مَا قِيلَ عَنِ الْمُسْتَنْصِرِ بِاللَّهِ الْعَلَوِيِّ صَاحِبِ مِصْرَ، فَإِنَّهُ وَلِي سِتِّينَ سَنَةً، وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، فَإِنَّهُ وَلِيَ وَلَهُ سَبْعُ سِنِينَ، فَلَا تَصِحُّ وِلَايَتُهُ.

وَبَقِيَ النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ ثَلَاثَ سِنِينَ عَاطِلًا عَنِ الْحَرَكَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَدْ ذَهَبَتْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ وَالْأُخْرَى يُبْصِرُ بِهَا إِبْصَارًا ضَعِيفًا، وَفِي آخِرِ الْأَمْرِ أَصَابَهُ دُوسِنْطَارْيَا عِشْرِينَ يَوْمًا وَمَاتَ.

وَوَزَرَ لَهُ عِدَّةُ وُزَرَاءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ، وَلَمْ يُطْلِقْ فِي طُولِ مَرَضِهِ شَيْئًا كَانَ أَحْدَثَهُ مِنَ الرُّسُومِ الْجَائِرَةِ، وَكَانَ قَبِيحَ السِّيرَةِ، فِي رَعِيَّتِهِ ظَالِمًا، فَخَرَّبَ فِي أَيَّامِهِ الْعِرَاقَ، وَتَفَرَّقَ أَهْلُهُ فِي الْبِلَادِ، وَأَخَذَ أَمْلَاكَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَكَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَضِدَّهُ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ عَمِلَ دُورَ الضِّيَافَةِ بِبَغْدَادَ ; لِيُفْطِرَ النَّاسُ عَلَيْهَا فِي رَمَضَانَ، فَبَقِيَتْ مُدَّةً، ثُمَّ قَطَعَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَمِلَ دُورَ الضِّيَافَةِ لِلْحُجَّاجِ، فَبَقِيَتْ مُدَّةً، ثُمَّ بَطَّلَهَا، وَأَطْلَقَ بَعْضَ الْمُكُوسِ الَّتِي جَدَّدَهَا بِبَغْدَادَ خَاصَّةً، ثُمَّ أَعَادَهَا. وَجَعَلَ جُلَّ هَمِّهِ فِي رَمْيِ الْبُنْدُقِ، وَالطُّيُورِ الْمَنَاسِيبِ، وَسَرَاوِيلَاتِ الْفُتُوَّةِ، فَبَطَّلَ الْفُتُوَّةَ فِي الْبِلَادِ جَمِيعِهَا، إِلَّا مَنْ يَلْبَسُ مِنْهُ سَرَاوِيلَ يُدْعَى إِلَيْهِ، وَلَبِسَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُلُوكِ مِنْهُ سَرَاوِيلَاتِ الْفُتُوَّةِ.

وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَنَعَ الطُّيُورَ الْمَنَاسِيبَ لِغَيْرِهِ إِلَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْ طُيُورِهِ، وَمَنَعَ الرَّمْيَ بِالْبُنْدُقِ إِلَّا مَنْ يَنْتَمِي إِلَيْهِ، فَأَجَابَهُ النَّاسُ بِالْعِرَاقِ وَغَيْرِهِ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا إِنْسَانًا وَاحِدًا يُقَالُ لَهُ ابْنُ السَّفِتِ مِنْ بَغْدَادَ، فَإِنَّهُ هَرَبَ مِنَ الْعِرَاقِ وَلَحِقَ بِالشَّامِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يُرَغِّبُهُ فِي الْمَالِ الْجَزِيلِ لِيَرْمِيَ عَنْهُ، وَيُنْسَبَ فِي الرَّمْيِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَصْدِقَائِهِ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الِامْتِنَاعَ مِنْ أَخْذِ الْمَالِ، فَقَالَ: يَكْفِينِي فَخْرًا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا أَحَدٌ إِلَّا يَرْمِي لِلْخَلِيفَةِ، إِلَّا أَنَا.

فَكَانَ غَرَامُ الْخَلِيفَةِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ، وَكَانَ سَبَبُ مَا يَنْسُبُهُ الْعَجَمُ إِلَيْهِ صَحِيحًا مِنْ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَطْمَعَ التَّتَرَ فِي الْبِلَادِ، وَرَاسَلَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَهُوَ الطَّامَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>