أَرْسِلَانَ، مَلِكُ بِلَادِ الرُّومِ، إِلَى بِلَادِ الْمَلِكِ الْمَسْعُودِ صَاحِبِ آمِدَ، وَمَلَكَ عِدَّةً مِنْ حُصُونِهِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنِ اتِّفَاقِ صَاحِبِ آمِدَ مَعَ جَلَالِ الدِّينِ بْنِ خُوَارَزْمَ شَاهْ، وَالْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ صَاحِبِ دِمَشْقَ، وَغَيْرِهِمَا عَلَى خِلَافِ الْأَشْرَفِ، فَلَمَّا رَأَى الْأَشْرَفُ ذَلِكَ، أَرْسَلَ إِلَى كَيْقُبَاذَ مِلْكِ الرُّومِ، وَكَانَا مُتَّفِقَيْنِ، يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَقْصِدَ بَلَدَ صَاحِبِ آمِدَ وَيُحَارِبَهُ، وَكَانَ الْأَشْرَفُ حِينَئِذٍ عَلَى مَارِدِينَ، فَسَارَ مِلْكُ الرُّومِ إِلَى مَلَطْيَةَ، وَهِيَ لَهُ، فَنَزَلَ عِنْدَهَا، وَسَيَّرَ الْعَسَاكِرَ إِلَى وِلَايَةِ صَاحِبِ آمِدَ، [فَفَتَحُوا حِصْنَ مَنْصُورٍ وَحِصْنَ سمكَارَادَ وَغَيْرَهُمَا، فَلَمَّا رَأَى صَاحِبُ آمِدَ] ذَلِكَ، رَاسَلَ الْأَشْرَفَ، وَعَادَ إِلَى مُوَافَقَتِهِ، فَأَرْسَلَ الْأَشْرَفُ إِلَى كَيْقُبَاذَ يُعَرِّفُهُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ لَهُ لِيُعِيدَ إِلَى صَاحِبِ آمِدَ مَا أَخَذَ مِنْهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَقَالَ: لَمْ أَكُنْ نَائِبًا لِلْأَشْرَفِ يَأْمُرُنِي وَيَنْهَانِي.
فَاتَّفَقَ أَنَّ الْأَشْرَفَ سَارَ إِلَى دِمَشْقَ لِيُصْلِحَ أَخَاهُ الْمَلِكَ الْمُعَظَّمَ، وَأَمَرَ الْعَسَاكِرَ الَّتِي لَهُ بِدِيَارِ الْجَزِيرَةِ بِمُسَاعَدَةِ صَاحِبِ آمِدَ، إِنْ أَصَرَّ مَلِكُ الرُّومِ عَلَى قَصْدِهِ، فَسَارَتْ عَسَاكِرُ الْأَشْرَفِ إِلَى صَاحِبِ آمِدَ وَقَدْ جَمَعَ عَسْكَرَهُ وَمَنْ بِبِلَادِهِ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْحَرْبِ، وَسَارَ إِلَى عَسْكَرِ مَلِكِ الرُّومِ وَهُمْ يُحَاصِرُونَ قَلْعَةَ الْكختَا بَعْدَ الْهَزِيمَةِ، وَهِيَ مِنْ أَمْنَعِ الْحُصُونِ وَالْمَعَاقِلِ، فَلَمَّا مَلَكُوهَا عَادُوا إِلَى صَاحِبِهِمْ.
ذِكْرُ حَصْرِ جَلَالِ الدِّينِ مَدِينَتَيِ آنِي وَقرسَ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي رَمَضَانَ، عَادَ جَلَالُ الدِّينِ مِنْ كِرْمَانَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ إِلَى تِفْلِيسَ، وَسَارَ مِنْهَا إِلَى مَدِينَةِ آنِي، وَهِيَ لِلْكُرْجِ، وَبِهَا إِيوَانِي مُقَدَّمُ عَسَاكِرِ الْكُرْجِ فِيمَنْ بَقِيَ مَعَهُ مِنْ أَعْيَانِ الْكُرْجِ، [فَحَصَرَهُ وَسَيَّرَ طَائِفَةً مِنَ الْعَسْكَرِ إِلَى مَدِينَةِ قرسَ، وَهِيَ لِلْكُرْجِ] أَيْضًا، وَكِلَاهُمَا مِنْ أَحْصَنِ الْبِلَادِ وَأَمْنَعِهَا، فَنَازَلَهُمَا وَحَصَرَهُمَا، وَقَاتَلَ مَنْ بِهِمَا، وَنَصَبَ عَلَيْهِمَا الْمَجَانِيقَ، وَجَدَّ فِي الْقِتَالِ عَلَيْهِمَا، وَحَفِظَهُمَا الْكُرْجُ، وَبَالَغُوا فِي الْحِفْظِ وَالِاحْتِيَاطِ لِخَوْفِهِمْ مِنْهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِمْ مَا فَعَلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ بِمَدِينَةِ تِفْلِيسَ، وَأَقَامَ عَلَيْهِمَا إِلَى أَنْ مَضَى بَعْضُ شَوَّالٍ، ثُمَّ تَرَكَ الْعَسْكَرَ عَلَيْهِمَا يَحْصُرُونَهُمَا وَعَادَ إِلَى تِفْلِيسَ.
وَسَارَ مِنْ تِفْلِيسَ مُجِدًّا إِلَى بِلَادٍ أَبْخَازَ وَبَقَايَا الْكُرْجِ، فَأَوْقَعَ بِمَنْ فِيهَا، فَنَهَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute