وَقَتَلَ وَسَبَى، وَخَرَّبَ الْبِلَادَ وَأَحْرَقَهَا، وَغَنِمَ عَسَاكِرُهُ مَا فِيهَا، وَعَادَ مِنْهَا إِلَى تِفْلِيسَ.
ذِكْرُ حَصْرِ جَلَالِ الدِّينِ خِلَاطَ.
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ جَلَالَ الدِّينِ عَادَ مِنْ مَدِينَةِ آنِي إِلَى تِفْلِيسَ وَدَخَلَ بِلَادَ أَبْخَازَ، وَكَانَ رَحِيلُهُ مَكِيدَةً ; لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّائِبَ عَنِ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ، وَهُوَ الْحَاجِبُ حُسَامُ الدِّينِ عَلِيٌّ بِمَدِينَةِ خِلَاطَ قَدِ احْتَاطَ، وَاهْتَمَّ بِالْأَمْرِ وَحَفِظَ الْبَلَدَ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، فَعَادَ إِلَى تِفْلِيسَ لِيَطْمَئِنَّ أَهْلُ خِلَاطَ وَيَتْرُكُوا الِاحْتِيَاطَ وَالِاسْتِظْهَارَ ثُمَّ يَقْصِدُهُمْ بَغْتَةً، فَكَانَتْ غَيْبَتُهُ بِبِلَادِ أَبْخَازَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، وَعَادَ وَسَارَ مُجِدًّا يَطْوِي الْمَرَاحِلَ عَلَى عَادَتِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنْ يُرَاسِلُ نُوَّابَ الْأَشْرَفِ بِالْأَخْبَارِ لَفَجَأَهُمْ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا كَانَ عِنْدَهُ بَعْضُ ثِقَاتِهِ يُعَرِّفُهُمْ أَخْبَارَهُ، وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ فَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَيْهِمْ قَبْلَ وُصُولِهِ بِيَوْمَيْنِ.
وَوَصَلَ جَلَالُ الدِّينِ فَنَازَلَ مَدِينَةَ ملَازكردَ يَوْمَ السَّبْتِ ثَالِثَ عَشَرَ ذِي الْقَعْدَةِ، ثُمَّ رَحَلَ عَنْهَا، فَنَازَلَ مَدِينَةَ خِلَاطَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ خَامِسَ عَشَرَ ذِي الْقَعْدَةِ، فَلَمْ يَنْزِلْ حَتَّى زَحَفَ إِلَيْهَا، وَقَاتَلَ أَهْلَهَا قِتَالًا شَدِيدًا، فَوَصَلَ عَسْكَرُهُ سُورَ الْبَلَدِ، وَقُتِلَ بَيْنَهُمْ قَتْلَى كَثِيرَةٌ، ثُمَّ زَحَفَ إِلَيْهَا مَرَّةً ثَانِيَةً، وَقَاتَلَ أَهْلُ الْبَلَدِ قِتَالًا عَظِيمًا، فَعَظُمَتْ نِكَايَةُ الْعَسْكَرِ فِي أَهْلِ خِلَاطَ، وَوَصَلُوا إِلَى سُورِ الْبَلَدِ، وَدَخَلُوا الرَّبَضَ الَّذِي لَهُ، وَمَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي النَّهْبِ وَسَبْيِ الْحَرِيمِ.
فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ خِلَاطَ ذَلِكَ تَذَامَرُوا، وَحَرَّضَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَعَادُوا إِلَى الْعَسْكَرِ فَقَاتَلُوهُمْ فَأَخْرَجُوهُمْ مِنَ الْبَلَدِ، وَقُتِلَ بَيْنَهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَأَسَرَ الْعَسْكَرُ الْخُوَارَزْمِيُّ مِنْ أُمَرَاءِ خِلَاطَ جَمَاعَةً، وَقُتِلَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ، وَتَرَجَّلَ الْحَاجِبُ عَلَيٌّ، وَوَقَفَ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، وَأَبْلَى بَلَاءً عَظِيمًا.
ثُمَّ إِنَّ جَلَالَ الدِّينِ اسْتَرَاحَ عِدَّةَ أَيَّامٍ، وَعَاوَدَ الزَّحْفَ مِثْلَ أَوَّلِ يَوْمٍ، فَقَاتَلُوهُ حَتَّى أَبْعَدُوا عَسْكَرَهُ عَنِ الْبَلَدِ. وَكَانَ أَهْلُ خِلَاطَ مُجِدِّينَ فِي الْقِتَالِ، حَرِيصِينَ عَلَى الْمَنْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِمَا رَأَوْا مِنْ سُوءِ سِيرَةِ الْخُوَارَزْمِيِّينَ وَنَهْبِهِمُ الْبِلَادَ، وَمَا فِيهِمْ مِنَ الْفَسَادِ، فَهُمْ يُقَاتِلُونَ قِتَالَ مَنْ يَمْنَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَحَرِيمِهِ وَمَالِهِ، ثُمَّ أَقَامَ عَلَيْهَا إِلَى أَنِ اشْتَدَّ الْبَرْدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute