للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَزَلَ شَيْءٌ مِنَ الثَّلْجِ، فَرَحَلَ عَنْهَا يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنَ السَّنَةِ، وَكَانَ سَبَبُ رَحِيلِهِ مَعَ خَوْفِ الثَّلْجِ مَا بَلَغَهُ عَنِ التُّرْكُمَانِ الْإِيوَانِيَّةِ مِنَ الْفَسَادِ بِبِلَادِهِ.

ذِكْرُ إِيقَاعِ جَلَالِ الدِّينِ بِالتُّرْكُمَانِ الْإِيوَانِيَّةِ.

كَانَ التُّرْكُمَانُ الْإِيوَانِيَّةُ قَدْ تَغَلَّبُوا عَلَى مَدِينَةِ أَسْنَةَ وَأَرْمِيَةَ، مِنْ نَوَاحِي أَذْرَبِيجَانَ، وَأَخَذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَهْلِ خُوَيٍّ لِيَكُفُّوا عَنْهُمْ، وَاغْتَرُّوا بِاشْتِغَالِ جَلَالِ الدِّينِ بِالْكُرْجِ، وَبُعْدِهِمْ بِخِلَاطَ، وَازْدَادَ طَمَعُهُمْ، وَانْبَسَطُوا بِأَذْرَبِيجَانَ يَنْهَبُونَ وَيَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ، وَالْأَخْبَارُ تَأْتِي إِلَى خُوَارَزْمَ شَاهْ جَلَالِ الدِّينِ بْنِ خُوَارَزْمَ شَاهْ، وَهُوَ يَتَغَافَلُ عَنْهُمْ لِاشْتِغَالِهِ بِمَا هُوَ الْمُهِمُّ ضِدَّهُ، وَبَلَغَ مِنْ طَمَعِهِمْ أَنَّهُمْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ بِالْقُرْبِ مِنْ تِبْرِيزَ، وَأَخَذُوا مِنْ تُجَّارِ أَهْلِهَا شَيْئًا كَثِيرًا، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّهُمُ اشْتَرَوْا غَنَمًا مِنْ أَرْزَنَ الرُّومِ وَقَصَدُوا بِهَا تِبْرِيزَ، فَلَقِيَهُمُ الْإِيوَانِيَّةُ قَبْلَ وُصُولِهِمْ إِلَى تِبْرِيزَ، فَأَخَذُوا جَمِيعَ مَا مَعَهُمْ، وَمِنْ جُمْلَتِهِ عِشْرُونَ أَلْفَ رَأْسِ غَنَمٍ.

فَلَمَّا اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَعَظُمَ الشَّرُّ، أَرْسَلَتْ زَوْجَةُ جَلَالِ الدِّينِ ابْنَةَ السُّلْطَانِ طُغْرُلَ وَنُوَّابَهُ فِي الْبِلَادِ إِلَيْهِ يَسْتَغِيثُونَ، وَيُعَرِّفُونَهُ أَنَّ الْبِلَادَ قَدْ خَرَّبَهَا الْإِيوَانِيَّةُ، وَلَئِنْ لَمْ يَلْحَقْهَا، وَإِلَّا هَلَكَتْ بِالْمَرَّةِ.

فَاتَّفَقَ هَذَا إِلَى خَوْفِ الثَّلْجِ، فَرَحَلَ عَنْ خِلَاطَ، وَجَدَّ السَّيْرَ إِلَى الْإِيوَانِيَّةِ، وَهُمْ آمِنُونَ مُطْمَئِنُّونَ، لِعِلْمِهِمْ أَنَّ خُوَارَزْمَ شَاهْ عَلَى خِلَاطَ، وَظَنُّوا أَنَّهُ لَا يُفَارِقُهَا، فَلَوْلَا هَذَا الِاعْتِقَادُ لَصَعِدُوا إِلَى جِبَالٍ لَهُمْ مَنِيعَةٍ شَاهِقَةٍ لَا يُرْتَقَى إِلَيْهَا إِلَّا بِمَشَقَّةٍ وَعَنَاءٍ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا خَافُوا، صَعِدُوا إِلَيْهَا وَامْتَنَعُوا بِهَا، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا وَالْعَسَاكِرُ الْجَلَالِيَّةُ قَدْ أَحَاطَتْ بِهِمْ، وَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ فِيهِمْ، وَالنَّهْبَ وَالسَّبْيَ، وَاسْتَرَقُّوا الْحَرِيمَ وَالْأَوْلَادَ، وَأَخَذُوا مِنْ عِنْدِهِمْ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَصْرِ، فَرَأَوْا كَثِيرًا مِنَ الْأَمْتِعَةِ الَّتِي أَخَذُوهَا مِنَ التُّجَّارِ بِحَالِهَا فِي الشَّذَوَاتِ، هَذَا سِوَى مَا كَانُوا قَدْ حَلُّوهُ وَفَصَلُوهُ، فَلَمَّا فَرَغَ عَادَ إِلَى تِبْرِيزَ.

ذِكْرُ الصُّلْحِ بَيْنَ الْمُعَظَّمِ وَالْأَشْرَفِ.

نَبْتَدِئُ بِذِكْرِ سَبَبِ الِاخْتِلَافِ، فَنَقُولُ: لَمَّا تُوُفِّيَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ أَبُو بَكْرِ بْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>