للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيُّوبَ، اتَّفَقَ أَوْلَادُهُ الْمُلُوكُ بَعْدَهُ اتِّفَاقًا حَسَنًا، وَهُمُ: الْمَلِكُ الْكَامِلُ مُحَمَّدٌ صَاحِبُ مِصْرَ، وَالْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ عِيسَى صَاحِبُ دِمَشْقَ، وَالْمَلِكُ الْأَشْرَفُ مُوسَى وَهُوَ صَاحِبُ دِيَارِ الْجَزِيرَةِ وَخِلَاطَ، وَاجْتَمَعَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى دَفْعِ الْفِرِنْجِ عَنِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ.

وَلَمَّا رَحَلَ الْكَامِلُ عَنْ دِمْيَاطَ لَمَّا كَانَ الْفِرِنْجُ يَحْصُرُونَهَا، صَادَفَهُ أَخُوهُ الْمُعَظَّمُ مِنَ الْغَدِ، وَقَوِيَتْ نَفْسُهُ، وَثَبَتَ قَدَمُهُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ الْأَمْرُ عَظِيمًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ مُفَصَّلًا، ثُمَّ إِنَّهُ عَادَ مِنْ مِصْرَ وَسَارَ إِلَى أَخِيهِ الْأَشْرَفِ بِبِلَادِ الْجَزِيرَةِ مَرَّتَيْنِ يَسْتَنْجِدُهُ عَلَى الْفِرِنْجِ، وَيَحُثُّهُ عَلَى مُسَاعَدَةِ أَخِيهِمَا الْكَامِلِ، وَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَخَذَهُ وَسَارَ إِلَى مِصْرَ، وَأَزَالُوا الْفِرِنْجَ عَنِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، فَكَانَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الْفِرِنْجِ سَبَبًا لِحِفْظِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَسُرَّ النَّاسُ أَجْمَعُونَ بِذَلِكَ.

فَلَمَّا فَارَقَ الْفِرِنْجُ مِصْرَ وَعَادَ كُلٌّ مِنَ الْمُلُوكِ أَوْلَادُ الْعَادِلِ إِلَى بَلَدِهِ، بَقُوا كَذَلِكَ يَسِيرًا، ثُمَّ سَارَ الْأَشْرَفُ إِلَى أَخِيهِ الْكَامِلِ بِمِصْرَ، فَاجْتَازَ بِأَخِيهِ الْمُعَظَّمِ بِدِمَشْقَ، فَلَمْ يَسْتَصْحِبْهُ مَعَهُ، وَأَطَالَ الْمُقَامَ بِمِصْرَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُعَظَّمَ سَاءَهُ ذَلِكَ.

ثُمَّ إِنَّ الْمُعَظَّمَ سَارَ إِلَى مَدِينَةِ حَمَاةَ وَحَصَرَهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَخَوَاهُ مِنْ مِصْرَ وَرَحَّلَاهُ عَنْهَا كَارِهًا، فَازْدَادَ نُفُورًا، وَقِيلَ: إِنَّهُ نُقِلَ إِلَيْهِ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ.

ثُمَّ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ الْخَلِيفَةَ النَّاصِرَ لِدِينِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ قَدِ اسْتَوْحَشَ مِنَ الْكَامِلِ لِمَا فَعَلَهُ وَلَدُهُ صَاحِبُ الْيَمَنِ مِنَ الِاسْتِهَانَةِ بِأَمِيرِ الْحَاجِّ الْعِرَاقِيِّ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَعَنْ أَخِيهِ الْأَشْرَفِ لِاتِّفَاقِهِمَا، وَقَاطَعَهُمَا وَرَاسَلَ مُظَفَّرُ الدِّينِ كُوكُبرِي بْنُ زَيْنِ الدِّينِ عَلَيٍّ صَاحِبَ إِرْبِلَ، يُعْلِمُهُ بِانْحِرَافِهِ عَنِ الْأَشْرَفِ، وَاسْتَمَالَهُ وَاتَّفَقَا عَلَى مُرَاسَلَةِ الْمُعَظَّمِ، وَتَعْظِيمِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ، فَمَالَ إِلَيْهِمَا، وَانْحَرَفَ عَنْ إِخْوَتِهِ.

ثُمَّ اتَّفَقَ ظُهُورُ جَلَالِ الدِّينِ وَكَثْرَةُ مُلْكِهِ، فَاشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَى الْأَشْرَفِ بِمُجَاوَرَةِ جَلَالِ الدِّينِ خُوَارَزْمَ شَاهْ وِلَايَةَ خِلَاطَ، وَلِأَنَّ الْمُعَظَّمَ بِدِمَشْقَ يَمْنَعُ عَنْهُ عَسَاكِرَ مِصْرَ أَنْ تَصِلَ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ عَسَاكِرُ حَلَبَ وَغَيْرُهَا مِنَ الشَّامِ، فَرَأَى الْأَشْرَفُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى أَخِيهِ الْمُعَظَّمِ بِدِمَشْقَ، فَسَارَ إِلَيْهِ فِي شَوَّالٍ وَاسْتَمَالَهُ وَأَصْلَحَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ الْكَامِلُ بِذَلِكَ، عَظُمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّهُمَا رَاسَلَاهُ، وَأَعْلَمَاهُ بِنُزُولِ جَلَالِ الدِّينِ عَلَى خِلَاطَ، وَعَظَّمَا الْأَمْرَ عَلَيْهِ، وَأَعْلَمَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَ تَقْضِي الِاتِّفَاقَ لِعِمَارَةِ الْبَيْتِ الْعَادِلِيِّ، وَانْقَضَتِ السَّنَةُ وَالْأَشْرَفُ بِدِمَشْقَ، وَالنَّاسُ عَلَى مَوَاضِعِهِمْ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ الشِّتَاءِ مَا يَكُونُ مِنَ الْخُوَارَزْمِيِّينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>