وَسَنَذْكُرُ مَا يَكُونُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْفِرِنْجِ وَالْأَرْمَنِ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ جَمَعَ الْبِرِنْسُ الْفِرِنْجِيُّ صَاحِبُ أَنْطَاكِيَةَ جُمُوعًا كَثِيرَةً، وَقَصَدَ الْأَرْمَنَ الَّذِينَ فِي الدُّرُوبِ بِلَادِ ابْنِ لِيُونَ، فَكَانَ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ شَدِيدَةٌ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ لِيُونَ الْأَرْمَنِيَّ صَاحِبَ الدُّرُوبِ، تُوُفِّيَ قَبْلُ، وَلَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا ذَكَرًا، إِنَّمَا خَلَّفَ بِنْتًا، فَمَلَّكَهَا الْأَرْمَنُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ عَلِمُوا أَنَّ الْمُلْكَ لَا يَقُومُ بِامْرَأَةٍ، فَزَوَّجُوهَا مِنْ وَلَدِ الْبِرِنْسِ، فَتَزَوَّجَهَا وَانْتَقَلَ إِلَى بَلَدِهِمْ، وَاسْتَقَرَّ فِي الْمُلْكِ نَحْوَ سَنَةٍ، ثُمَّ نَدِمُوا عَلَى ذَلِكَ، وَخَافُوا أَنْ يَسْتَوْلِيَ الْفِرِنْجُ عَلَى بِلَادِهِمْ، فَثَارُوا بِابْنِ الْبِرِنْسِ، فَقَبَضُوا عَلَيْهِ وَسَجَنُوهُ، فَأَرْسَلَ أَبُوهُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلَقَ وَيُعَادَ فِي الْمُلْكِ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، فَأَرْسَلَ إِلَى بَابَا مَلِكِ الْفِرِنْجِ بِرُومِيَّةَ الْكُبْرَى يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَصْدِ بِلَادِهِمْ، وَمَلِكُ رُومِيَّةَ هَذَا أَمْرُهُ عِنْدَ الْفِرِنْجِ لَا يُخَالَفُ، فَمَنَعَهُ عَنْهُمْ، وَقَالَ: إِنَّهُمْ أَهْلُ مِلَّتِنَا، وَلَا يَجُوزُ قَصْدُ بِلَادِهِمْ، فَخَالَفَهُ وَأَرْسَلَ [إِلَى] عَلَاءِ الدِّينِ كَيْقُبَاذَ مَلِكِ قُونِيَّةَ وَمَلَطْيَةَ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَصَالَحَهُ، وَوَافَقَهُ عَلَى قَصْدِ بِلَادِ ابْنِ لِيُونَ، وَالِاتِّفَاقِ عَلَى قَصْدِهَا، فَاتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، وَجَمَعَ الْبِرْنِسُ عَسَاكِرَهُ لِيَسِيرَ إِلَى بِلَادِ الْأَرْمَنِ، فَخَالَفَ عَلَيْهِ الدَّاوِيَّةَ وَالِاسْبِتَارِيَّةَ، وَهُمَا جَمْرَةُ الْفِرِنْجِ، فَقَالُوا: إِنْ مَلَكَ رُومِيَّةَ نَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ أَطَاعَهُ غَيْرُهُمْ، فَدَخَلَ أَطْرَافَ بِلَادِ الْأَرْمَنِ، وَهِيَ مَضَايِقُ وَجِبَالٌ وَعِرَةٌ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فِعْلِ مَا يُرِيدُ.
وَأَمَّا كِيكَاوُسُ، فَإِنَّهُ قَصَدَ بِلَادَ الْأَرْمَنِ مِنْ جِهَتِهِ، وَهِيَ أَسْهَلُ مِنْ جِهَةِ الشَّامِ، فَدَخَلَهَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَنَهَبَهَا وَأَحْرَقَهَا، وَحَصَرَ عِدَّةَ حُصُونٍ، فَفَتَحَ أَرْبَعَةَ حُصُونٍ، وَأَدْرَكَهُ الشِّتَاءُ فَعَادَ عَنْهَا.
فَلَمَّا سَمِعَ بَابَا مَلِكُ الْفِرِنْجِ بِرُومِيَّةَ، أَرْسَلَ إِلَى الْفِرِنْجِ بِالشَّامِ يُعْلِمُهُمْ أَنَّهُ قَدْ حَرَمَ الْبِرْنِسَ، فَكَانَ الدَّاوِيَّةُ وَالِاسْبِتَارِيَّةُ وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُرْسَانِ لَا يَحْضُرُونَ مَعَهُ، وَلَا يَسْمَعُونَ قَوْلَهُ، وَكَانَ أَهْلُ بِلَادِهِ وَهِيَ إِنْطَاكِيَةُ وَطَرَابُلُسُ، إِذَا جَاءَهُمْ عِيدٌ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِمْ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ عِيدِهِمْ دَخَلَ الْبَلَدَ.
ثُمَّ إِنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى مِلْكِ رُومِيَّةَ يَشْكُو مِنَ الْأَرْمَنِ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يُطْلِقُوا وَلَدَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute