وَيَسْتَأْذِنُهُ فِي أَنْ يَدْخُلَ بِلَادَهُمْ وَيُحَارِبَهُمْ إِنْ لَمْ يُطْلِقُوا ابْنَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْأَرْمَنِ يَأْمُرُهُمْ بِإِطْلَاقِ ابْنِهِ وَإِعَادَتِهِ إِلَى الْمُلْكِ، فَإِنْ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدَ أَذِنَ لَهُ فِي قَصْدِ بِلَادِهِمْ، فَلَمَّا بَلَغَتْهُمُ الرِّسَالَةُ لَمْ يُطْلِقُوا وَلَدَهُ، فَجَمَعَ الْبِرْنِسُ وَقَصَدَ بِلَادَ الْأَرْمَنِ، فَأَرْسَلَ الْأَرْمَنُ إِلَى الْأَتَابِكَ شِهَابِ الدِّينِ بِحَلَبَ يَسْتَنْجِدُونَهُ، وَيُخَوِّفُونَهُ مِنَ الْبِرْنِسِ إِنِ اسْتَوْلَى عَلَى بِلَادِهِمْ ; لِأَنَّهَا تُجَاوِرُ أَعْمَالَ حَلَبَ، فَأَمَدَّهُمْ بِجُنْدٍ وَسِلَاحٍ.
فَلَمَّا سَمِعَ الْبِرْنِسُ ذَلِكَ صَمَّمَ الْعَزْمَ عَلَى قَصْدِ بِلَادِهِمْ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ وَحَارَبَهُمْ، فَلَمْ يَحْصُلْ عَلَى غَرَضٍ، فَعَادَ عَنْهُمْ.
حَدَّثَنِي بِهَذَا رَجُلٌ مِنْ عُقَلَاءِ النَّصَارَى مِمَّنْ دَخَلَ تِلْكَ الْبِلَادَ وَعَرَفَ حَالَهَا، وَسَأَلْتُ غَيْرَهُ، فَعَرَفَ الْبَعْضَ وَأَنْكَرَ الْبَعْضَ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ انْخَسَفَ الْقَمَرُ مَرَّتَيْنِ: أُولَاهُمَا لَيْلَةَ رَابِعَ عَشْرَ صَفَرٍ، وَفِيهَا كَانَتْ أُعْجُوبَةٌ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَوْصِلِ حَامَّةٌ تُعْرَفُ بِعَيْنِ الْقَيَّارَةِ، شَدِيدَةِ الْحَرَارَةِ، تُسَمِّيهَا النَّاسُ عَيْنَ مَيْمُونٍ، وَيَخْرُجُ مَعَ الْمَاءِ قَلِيلٌ مِنَ الْقَارِ. فَكَانَ النَّاسُ يَسْبَحُونَ فِيهَا دَائِمًا فِي الرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ; لِأَنَّهَا تَنْفَعُ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْبَارِدَةِ كَالْفَالِجِ وَغَيْرِهِ نَفْعًا عَظِيمًا، فَكَانَ مَنْ يَسْبَحُ فِيهَا يَجِدُ الْكَرْبَ الشَّدِيدَ مِنْ حَرَارَةِ الْمَاءِ، فَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بَرَدَ الْمَاءُ فِيهَا، حَتَّى كَانَ السَّابِحُ فِيهَا يَجِدُ الْبَرْدَ، فَتَرَكُوهَا وَانْتَقَلُوا إِلَى غَيْرِهَا.
وَفِيهَا كَثُرَتِ الذِّئَابُ وَالْخَنَازِيرُ وَالْحَيَّاتُ، فَقُتِلَ كَثِيرٌ، فَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ ذِئْبًا دَخَلَ الْمَوْصِلَ فَقُتِلَ فِيهَا، وَحَدَّثَنِي صَدِيقٌ لَنَا، لَهُ بُسْتَانٌ بِظَاهِرِ الْمَوْصِلِ، أَنَّهُ قَتَلَ فِيهِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، جَمِيعَ الصَّيْفِ حَيَّتَيْنِ، وَقَتَلَ هَذِهِ السَّنَةَ إِلَى أَوَّلِ حُزَيْرَانَ سَبْعَ حَيَّاتٍ لِكَثْرَتِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute