تُعْطِي غَيْرَهُ مَعَ غُلَامِهَا مَيْسَرَةَ، فَأَجَابَهَا وَخَرَجَ مَعَهُ مَيْسَرَةُ حَتَّى قَدِمَ الشَّامَ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ، فَأَطْلَعَ الرَّاهِبُ رَأْسَهُ إِلَى مَيْسَرَةَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ مَيْسَرَةُ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ. فَقَالَ الرَّاهِبُ: مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا نَبِيٌّ.
ثُمَّ بَاعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاشْتَرَى وَعَادَ، فَكَانَ مَسِيرَةُ إِذَا كَانَتِ الْهَاجِرَةُ يَرَى مَلَكَيْنِ يُظِلَّانِهِ مِنَ الشَّمْسِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ. فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ رَبِحَتْ خَدِيجَةُ رِبْحًا كَثِيرًا، وَحَدَّثَهَا مَيْسَرَةُ عَنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ وَمَا رَأَى مِنْ إِظْلَالِ الْمَلَكَيْنِ إِيَّاهُ.
وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً حَازِمَةً عَاقِلَةً شَرِيفَةً مَعَ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْ كَرَامَتِهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، وَكَانَتْ أَوْسَطَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ نَسَبًا وَأَكْثَرَهُنَّ مَالًا وَشَرَفًا، وَكُلُّ قَوْمِهَا كَانَ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا لَوْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ. فَلَمَّا أَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَعْمَامِهِ، وَخَرَجَ وَمَعَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ عُمُومَتِهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ فَخَطَبَهَا إِلَيْهِ، فَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادَهُ كُلَّهُمْ، إِلَّا إِبْرَاهِيمَ: زَيْنَبَ، وَرُقَيَّةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَفَاطِمَةَ، وَالْقَاسِمَ، وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى، وَعَبْدَ اللَّهِ، وَالطَّاهِرَ، وَالطَّيِّبَ. وَقِيلَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ وَالطَّاهِرُ وَالطَّيِّبُ، فَأَمَّا الْقَاسِمُ وَالطَّاهِرُ وَالطَّيِّبُ فَهَلَكُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَمَّا بَنَاتُهُ فَكُلُّهُنَّ أَدْرَكْنَ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمْنَ وَهَاجَرْنَ مَعَهُ.
وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي زَوَّجَهَا عَمُّهَا عَمْرُو بْنُ أَسَدٍ، وَإِنَّ أَبَاهَا مَاتَ قَبْلَ الْفِجَارِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ أَبَاهَا تُوُفِّيَ قَبْلَ الْفِجَارِ.
وَكَانَ مَنْزِلُ خَدِيجَةَ يَوْمَئِذٍ الْمَنْزِلَ الَّذِي يُعْرَفُ بِهَا الْيَوْمَ، فَيُقَالُ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ اشْتَرَاهُ وَجَعَلَهُ مَسْجِدًا يُصَلَّى فِيهِ.
وَكَانَ الرَّسُولُ بَيْنَ خَدِيجَةَ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفِيسَةَ بِنْتَ مُنْيَةَ أُخْتَ يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ، وَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَبَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَكْرَمَهَا.
مُنْيَةُ بِالنُّونِ السَّاكِنَةِ، وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute