وَنَسْقِي الْخَمْرَ، وَتَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا. فَقَالَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ الثَّقَفِيُّ - وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ - بِالْجُحْفَةِ: يَا بَنِي زُهْرَةَ، قَدْ نَجَّى اللَّهُ أَمْوَالَكُمْ وَصَاحِبَكُمْ فَارْجِعُوا، فَرَجَعُوا. فَلَمْ يَشْهَدْهَا زُهْرِيٌّ وَلَا عَدَوِيٌّ، وَشَهِدَهَا سَائِرُ بُطُونِ قُرَيْشٍ.
وَلَمَّا كَانَتْ قُرَيْشٌ بِالْجُحْفَةِ رَأَى جُهَيْمُ بْنُ الصَّلْتِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ رُؤْيَا فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ رَجُلًا أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ وَمَعَهُ بَعِيرٌ لَهُ، فَقَالَ: قُتِلَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَأَبُو جَهْلٍ، وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ - وَرَأَيْتُهُ ضَرَبَ لَبَّةَ بَعِيرِهِ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْعَسْكَرِ، فَمَا بَقِيَ خِبَاءٌ إِلَّا أَصَابَهُ مِنْ دَمِهِ.
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَهَذَا أَيْضًا نَبِيٌّ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ، سَيَعْلَمُ غَدًا مَنِ الْمَقْتُولُ.
وَكَانَ بَيْنَ طَالِبِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ فِي الْقَوْمِ، وَبَيْنَ بَعْضِ قُرَيْشٍ مُحَاوَرَةٌ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ قَدْ عَرَفْنَا أَنَّ هَوَاكُمْ مَعَ مُحَمَّدٍ. فَرَجَعَ طَالِبٌ إِلَى مَكَّةَ فِيمَنْ رَجَعَ، وَقِيلَ: إِنَّمَا كَانَ خَرَجَ كُرْهًا، فَلَمْ يُوجَدْ فِي الْأَسْرَى وَلَا فِي الْقَتْلَى وَلَا فِيمَنْ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ:
يَا رَبِّ إِمَّا يَغْوُونَ طَالِبْ ... فِي مِقْنَبٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَانِبْ
فَلْيَكُنِ الْمَسْلُوبَ غَيْرَ السَّالِبْ ... وَلْيَكُنِ الْمَغْلُوبَ غَيْرَ الْغَالِبْ
وَمَضَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى نَزَلَتْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى مِنَ الْوَادِي، وَبَعَثَ اللَّهُ السَّمَاءَ، وَكَانَ الْوَادِي دَهْسًا، فَأَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ مِنْهُ مَا لَبَّدَ لَهُمُ الْأَرْضَ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمُ الْمَسِيرَ، وَأَصَابَ قُرَيْشًا مِنْهُ مَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَرْحَلُوا مَعَهُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَادِرُهُمْ إِلَى الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ بَدْرٍ نَزَلَهُ، فَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهَذَا مَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ أَوْ نَتَأَخَّرَ، أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ لَكَ بِمَنْزِلٍ، انْهَضْ بِالنَّاسِ حَتَّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ سِوَاهُ مِنَ الْقَوْمِ فَنَنْزِلَهُ، ثُمَّ نُعَوِّرَ مَا وَرَاءَهُ مِنَ الْقُلُبِ، ثُمَّ نَبْنِيَ عَلَيْهِ حَوْضًا وَنَمْلَأَهُ مَاءً، فَنَشْرَبَ مَاءً وَلَا يَشْرَبُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute