يُقْبِلُ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَّا يَقْتُلُ رَجُلًا مِنْكُمْ، فَإِذَا أَصَابُوا أَعْدَادَهُمْ، فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَرَوْا رَأْيَكُمْ.
فَلَمَّا سَمِعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ذَلِكَ مَشَى فِي الْقَوْمِ، فَأَتَى عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ، إِنَّكَ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا، هَلْ لَكَ أَنْ لَا تَزَالَ تُذْكَرُ فِيهَا بِخَيْرٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: تَرْجِعُ بِالنَّاسِ وَتَحْمِلُ دَمَ حَلِيفِكَ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ. قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، عَلَيَّ دَمُهُ وَمَا أُصِيبَ مِنْ مَالِهِ، فَأْتِ ابْنَ الْحَنْظَلِيَّةِ - يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ - فَلَا أَخْشَى أَنْ يُفْسِدَ أَمْرَ النَّاسِ غَيْرُهُ. فَقَامَ عُتْبَةُ فِي النَّاسِ فَقَالَ: إِنَّكُمْ مَا تَصْنَعُونَ بِأَنْ تَلْقَوْا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ شَيْئًا، وَاللَّهِ لَئِنْ أَصَبْتُمُوهُمْ لَا يَزَالُ رَجُلٌ يَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَجُلٍ يَكْرَهُ النَّظَرَ إِلَيْهِ؛ قَتَلَ ابْنَ عَمِّهِ أَوِ ابْنَ خَالِهِ أَوْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهِ. قَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ: فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ فَوَجَدْتُهُ قَدْ نَشَلَ دِرْعًا وَهُوَ يُهَيِّئُهَا، فَأَعْلَمْتُهُ مَا قَالَ عُتْبَةُ، فَقَالَ: انْتَفَخَ - وَاللَّهِ - سَحْرُهُ حِينَ رَأَى مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، وَاللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، وَمَا بِعُتْبَةَ مَا قَالَ، وَلَكِنْ رَأَى ابْنَهُ أَبَا حُذَيْفَةَ فِيهِمْ، وَقَدْ خَافَكُمْ عَلَيْهِ.
ثُمَّ بَعَثَ إِلَى عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَقَالَ لَهُ: هَذَا حَلِيفُكَ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَكَّةَ بِالنَّاسِ، وَقَدْ رَأَيْتَ ثَأْرَكَ بِعَيْنِكَ، فَانْشُدْ خُفْرَتَكَ وَمَقْتَلَ أَخِيكَ. فَقَامَ عَامِرٌ وَصَرَخَ: وَاعَمْرَاهْ وَاعَمْرَاهْ! فَحَمِيَتِ الْحَرْبُ وَاسْتَوْسَقَ النَّاسُ عَلَى الشَّرِّ.
فَلَمَّا بَلَغَ عُتْبَةَ قَوْلُ أَبِي جَهْلٍ: انْتَفَخَ سَحْرُهُ، قَالَ: سَيَعْلَمُ الْمُصَفِّرُ اسْتَهُ مَنِ انْتَفَخَ سَحْرُهُ، أَنَا أَمْ هُوَ! ثُمَّ الْتَمَسَ بَيْضَةً يُدْخِلُهَا رَأْسَهُ فَمَا وَجَدَ مِنْ عِظَمِ هَامَتِهِ، فَاعْتَجَرَ بِبُرْدٍ لَهُ.
وَخَرَجَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ، وَكَانَ سَيِّئَ الْخُلُقِ، فَقَالَ: أُعَاهِدُ اللَّهَ لَأَشْرَبَنَّ مِنْ حَوْضِهِمْ وَلَأَهْدِمَنَّهُ، أَوْ لَأَمُوتَنَّ دُونَهُ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ فَضَرَبَهُ، فَأَطَنَّ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ حَبَا إِلَى الْحَوْضِ فَاقْتَحَمَ فِيهِ لِيُبِرَّ يَمِينَهُ، وَتَبِعَهُ حَمْزَةُ فَضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ فِي الْحَوْضِ.
ثُمَّ خَرَجَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ، وَدَعَوْا إِلَى الْمُبَارَزَةِ، فَخَرَجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute