للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَيْهِمْ عَوْفٌ وَمُعَوِّذٌ ابْنَا عَفْرَاءَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: مِنَ الْأَنْصَارِ. فَقَالُوا: أَكْفَاءٌ كِرَامٌ، وَمَا لَنَا بِكُمْ مِنْ حَاجَةٍ، لِيَخْرُجْ إِلَيْنَا أَكْفَاؤُنَا مِنْ قَوْمِنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُمْ يَا حَمْزَةُ، قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ، قُمْ يَا عَلِيُّ، فَقَامُوا وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَبَارَزَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ - وَكَانَ أَمِيرَ الْقَوْمِ - عُتْبَةَ، وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ، وَبَارَزَ عَلِيٌّ الْوَلِيدَ، فَأَمَّا حَمْزَةُ فَلَمْ يُمْهِلْ شَيْبَةَ أَنْ قَتَلَهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَلَمْ يُمْهِلِ الْوَلِيدَ أَنْ قَتَلَهُ، وَاخْتَلَفَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ بَيْنَهُمَا ضَرْبَتَيْنِ كِلَاهُمَا قَدْ أَثْبَتَ صَاحِبَهُ، وَكَرَّ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ عَلَى عُتْبَةَ فَقَتَلَاهُ، وَاحْتَمَلَا عُبَيْدَةَ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَقَدْ قُطِعَتْ رِجْلُهُ، فَلَمَّا أَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَلَسْتُ شَهِيدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلَى» . قَالَ: لَوْ رَآنِي أَبُو طَالِبٍ لَعَلِمَ أَنَّنَا أَحَقُّ مِنْهُ بِقَوْلِهِ:

وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ ... وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ

ثُمَّ مَاتَ، وَتَزَاحَفَ الْقَوْمُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَأَبُو جَهْلٍ يَقُولُ:

اللَّهُمَّ، أَقْطَعُنَا لِلرَّحِمِ، وَآتَانَا بِمَا لَمْ نَعْرِفْ، فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ، فَكَانَ هُوَ الْمُسْتَفْتِحَ عَلَى نَفْسِهِ.

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يَحْمِلُوا حَتَّى يَأْمُرَهُمْ، وَقَالَ: «إِنِ اكْتَنَفَكُمُ الْقَوْمُ فَانْضَحُوهُمْ عَنْكُمْ بِالنَّبْلِ. وَنَزَلَ فِي الْعَرِيشِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ، فَوَضَعَهُ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ. وَأَغْفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَرِيشِ إِغْفَاءَةً، وَانْتَبَهَ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَتَاكَ نَصْرُ اللَّهِ، هَذَا جَبْرَائِيلُ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ يَقُودُهُ عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} [الأنفال: ٩] الْآيَةَ.

وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: ٤٥] ، وَحَرَّضَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يُقَاتِلُهُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ، فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ» . فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ وَبِيَدِهِ تَمَرَاتٌ يَأْكُلُهُنَّ: بَخٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>