بَخٍ! مَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا أَنْ يَقْتُلَنِي هَؤُلَاءِ! ثُمَّ أَلْقَى التَّمَرَاتِ مِنْ يَدِهِ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. وَرُمِيَ مِهْجَعٌ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، بِسَهْمٍ فَقُتِلَ، فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ. ثُمَّ رُمِيَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَقُتِلَ، وَقَاتَلَ عَوْفُ بْنُ عَفْرَاءَ حَتَّى قُتِلَ، وَاقْتَتَلَ النَّاسُ قِتَالًا شَدِيدًا. فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفْنَةً مِنَ التُّرَابِ وَرَمَى بِهَا قُرَيْشًا وَقَالَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ. وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: شُدُّوا عَلَيْهِمْ، فَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ، فَقَتَلَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَأُسِرَ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ.
وَلَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَرِيشِ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَائِمٌ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ مُتَوَشِّحًا بِالسَّيْفِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخَافُونَ عَلَيْهِ كَرَّةَ الْعَدُوِّ، فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَجْهِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْكَرَاهِيَةَ لِمَا يَصْنَعُ النَّاسُ مِنَ الْأَسْرِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَكَأَنَّكَ تَكْرَهُ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟ قَالَ: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَّلُ وَقْعَةٍ أَوْقَعَهَا اللَّهُ بِالْمُشْرِكِينَ كَانَ الْإِثْخَانُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنِ اسْتِبْقَاءِ الرِّجَالِ» .
وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيَ أَبَا جَهْلٍ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَقُرَيْشٌ مُحِيطَةٌ بِهِ يَقُولُونَ: لَا يُخْلَصُ إِلَى أَبِي الْحَكَمِ. قَالَ مُعَاذٌ: فَجَعَلْتُهُ مِنْ شَأْنِي، فَلَمَّا أَمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً أَطَنَّتْ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ، وَضَرَبَنِي ابْنُهُ عِكْرِمَةُ فَطَرَحَ يَدِي مِنْ عَاتِقِي، فَتَعَلَّقَتْ بِجِلْدَةٍ مِنْ جُثَّتِي، فَقَاتَلْتُ عَامَّةَ يَوْمِي وَإِنِّي لَأَسْحَبُهَا خَلْفِي، فَلَمَّا آذَتْنِي جَعَلْتُ عَلَيْهَا رِجْلِي، ثُمَّ تَمَطَّيْتُ حَتَّى طَرَحْتُهَا.
وَعَاشَ مُعَاذٌ إِلَى زَمَانِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
ثُمَّ مَرَّ بِأَبِي جَهْلٍ مُعَوِّذُ بْنُ عَفْرَاءَ فَضَرَبَهُ حَتَّى أَثْبَتَهُ، وَتَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ، ثُمَّ مَرَّ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ، «وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى، فَوَجَدَهُ بِآخِرِ رَمَقٍ، قَالَ: فَوَضَعْتُ رِجْلِي عَلَى عُنُقِهِ، ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ أَخْزَاكَ اللَّهُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ؟ قَالَ: وَبِمَاذَا أَخْزَانِي؟ أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ، أَخْبِرْنِي لِمَنِ الدَّائِرَةُ؟ قُلْتُ: لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: لَقَدِ ارْتَقَيْتَ - يَا رُوَيْعِيَ الْغَنَمِ - مُرْتَقًى صَعْبًا! قَالَ: فَقُلْتُ: إِنِّي قَاتِلُكَ. قَالَ: مَا أَنْتَ بِأَوَّلِ عَبْدٍ قَتَلَ سَيِّدَهُ، أَمَا إِنَّ أَشَدَّ شَيْءٍ لَقِيتُهُ الْيَوْمَ قَتْلُكَ إِيَّايَ، وَأَلَّا قَتَلَنِي رَجُلٌ مِنَ الْمُطَيَّبِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute