للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هِيَ اى جهنم حينئذ تَفُورُ وتغلى غليان المرجل غيظا وغضبا لأعداء الله ومن شدة غضبها وسخطها

تَكادُ وتقرب تَمَيَّزُ وتفترق اجزاؤها مِنَ الْغَيْظِ المفرط كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ اى جماعة وفرقة من المنافقين المجتمعين على ديدنة قبيحة وخصلة ذميمة خارجة عن مقتضى الحدود الإلهية سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها سؤال توبيخ وتقريع أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ يخوفكم عن هذا العذاب الهائل مع ان سنة الله قد جرت على ان لا يدخل عباده فيها الا بعد الإنذار والتخويف

قالُوا حينئذ متحسرين بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فانذرنا عنها على ابلغ الوجوه فَكَذَّبْنا النذير وأفرطنا في تكذيبه الى حيث قد نفينا الإنزال والإرسال مطلقا بل قد كفرنا وأنكرنا للحق ولجميع ما جاء به النبي النذير من عنده ونسبنا دعوته ودعواه الى السفه والضلال وَبالجملة قد قُلْنا له حين دعوته وادعائه نزول الكتاب ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ اى ما أنتم ايها المدعون للرسالة إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ عظيم لإضلال أعظم من ضلالكم

وَبعد ما قد حكوا للخزنة أولئك الضالون ما حكوا قالُوا من غاية سفههم وحسرتهم على سبيل التمني لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ كلام الرسل المؤيدين بالمعجزات الظاهرة أَوْ نَعْقِلُ نتأمل ونتفكر في حججهم الساطعة ودلائلهم القاطعة ما كُنَّا الآن فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ اى في عدادهم ومن جملتهم وبالجملة

فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ وندموا وما ينفعهم الاعتراف والندم لمضى وقته بل فَسُحْقاً طردا وتبعيدا عن ساحة عز القبول وعن سعة رحمة الحق وكنف لطفه ومغفرته لِأَصْحابِ السَّعِيرِ اى لمطلق من دخل بشؤم كفره وإنكاره فيها. ثم اردف سبحانه حال الكفرة بحال المؤمنين تنشيطا للسامع وحثا على التثبت في الايمان فقال

إِنَّ المؤمنين الَّذِينَ يَخْشَوْنَ ويخافون رَبَّهُمْ اى عذابه بِالْغَيْبِ اى حال كونهم في النشأة الاولى غائبين غير معاينين له لَهُمْ عند ربهم مَغْفِرَةٌ ستر ومحو لذنوبهم الصادرة عنهم بمقتضى بشريتهم جزاء لإيمانهم بالله وخشيتهم عن عذابه وَأَجْرٌ كَبِيرٌ تصغر دونه الدنيا وما فيها تفضلا عليهم وامتنانا ألا وهو رضاء الله منهم ورضوان من الله اكبر من الآخرة وما فيها فكيف عن الدنيا. ثم لما قال بعض المشركين لبعضهم على سبيل التهكم والاستهزاء أسروا قولكم كي لا يسمعه رب محمد نزلت

وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ ايها المشركون أَوِ اجْهَرُوا بِهِ وهما سيان بالنسبة الى علمه المحيط وكيف لا وإِنَّهُ سبحانه عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ اى بما في الضمائر قبل ان يعبر عنه ويقصد بتعبيره بل هو عليم بما في استعداداتكم وقابلياتكم من المكنون في عالم الأسماء والصفات قبل ظهوركم في عالم الأشباح

أَلا يَعْلَمُ العليم الحكيم مَنْ خَلَقَ وقدر بمقتضى علمه المحيط وقدرته الشاملة وارادته الكاملة وَكيف لا وهُوَ اللَّطِيفُ الواصل آثار علمه الى خفيات الأشياء واسرارها الْخَبِيرُ المحيط خبرته بظواهر المظاهر وبواطنها وبالجملة

هُوَ سبحانه القادر المقتدر الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ايها المكلفون بمقتضى سعة رحمته وجوده الْأَرْضَ ذَلُولًا لينة سهلة قابلة للسلوك عليها فَامْشُوا فِي مَناكِبِها جبالها او جوانبها حيث شئتم وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ رغدا واسعا متى أردتم واشكروا المنعم المتفضل ولا تكفروا به وبنعمه وَاعلموا انه إِلَيْهِ لا الى غيره من الوسائل والأسباب العادية النُّشُورُ اى نشور الكل ورجوعه إذ لا مرجع لكم سواه ولا مقصد الا اليه فيسألكم عما أنعم عليكم ويحاسبكم عليه وكيف لا تشكرون نعمه ولا تواظبون على أداء حقوق كرمه

أَأَمِنْتُمْ ايها المكلفون المسرفون

<<  <  ج: ص:  >  >>