للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ ومن تابعهم من الغواة فِي كُلِّ وادٍ من اودية الضلال والطغيان يَهِيمُونَ ويترددون حيارى سكارى تائهين بلا ثبات ولا قرار مترددين في معاشهم ومعادهم

وَأَنَّهُمْ من غاية غفلتهم وسكرتهم في امور معاشهم يَقُولُونَ بأفواههم ويخبرون بألسنتهم تلقفا ما لا يَفْعَلُونَ ولا يتصفون به من الأخلاق والحكم والمواعظ والرموز والإشارات التي قد صدرت عنهم هفوة وهم لا يمتثلون بها أصلا

إِلَّا الشعراء الحكماء الَّذِينَ آمَنُوا بتوحيد الله واتصفوا بالحكمة المعتدلة المودعة في قلوبهم الظاهرة آثارها من ألسنتهم ومضوا على مقتضى الاعتدال المعنوي الذي قد جبلهم الحق عليه بلا تلعثم منهم وتزلزل عن مقتضى فطرتهم الاصلية وفطنتهم الجبلية وَمع ذلك قد عَمِلُوا الصَّالِحاتِ من الأعمال المصلحة لمفاسدهم المهذبة لأخلاقهم وأطوارهم وَمن اجلة أخلاقهم انهم قد ذَكَرُوا اللَّهَ المستوي على صراط العدالة والاستقامة في اشعارهم وقصائدهم كَثِيراً في عموم أوقاتهم وحالاتهم بل اكثر اشعارهم انما هو لإثبات توحيد الحق وتبيين معارفه وحقائقه وكذا لإظهار رموز ارباب الكشف والعيان والتذكيرات المتعلقة بترك المألوفات وقطع التعلقات المنافية لصفاء مشرب التوحيد وبعض اشعارهم متعلق بردع اهل الهواء والآراء الفاسدة وهتك محارمهم واعراضهم وتعداد مقابحهم ورذائلهم وَذلك بأنهم قد انْتَصَرُوا باشعارهم هذه مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا من أيدي الجهلة وألسنة الكفرة المتعنتين المستكبرين على ارباب المحبة والولاء من المنقطعين نحو الحق السالكين سبيل توحيده وَبالجملة سَيَعْلَمُ الظلمة المفسدون والكفرة المستهزءون المسرفون الَّذِينَ ظَلَمُوا على اهل الحق وآذوهم بالسنان واللسان وانواع القدح والطعنان ونسبوهم الى الإلحاد والعناد ورموهم بأنواع الفسوق والفساد مع انهم هم على صرافة التوحيد متمكنون ومن امارات الكثرة والتقليد متنزهون وسيعلمون أولئك المردة الرامون المفرطون المسرفون أَيَّ مُنْقَلَبٍ واى مرجع ومآب يَنْقَلِبُونَ ويرجعون أيدخلون في حفر النيران والخذلان وهم منكوسون أم الى روضة الرضا وجنة التسليم وهم مسرورون ألا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

[خاتمة سورة الشعراء]

عليك ايها السالك المراقب لاعتدال الأطوار والأخلاق والأعمال وجميع الشئون والأحوال المتعلقة بنشأتى الدنيا والعقبى ان تراجع ذوقك ووجدانك في جميع ما جرى عليك من الأحوال وتتأمل فيه حق التأمل الى ان تطلع على مبدئه ومنشأه ثم تتفكر في صدوره هل هو على مقتضى الاعتدال والقسط الإلهي صدر ما صدر أم على مقتضى الهوى الغالب الذي من جنود الامارة المستمدة من إغواء الشيطان واغرائه فان وجدته على مقتضى القسط والهدى الإلهي والعدل الجبلي السوى فطوبى لك وان وجدته على مقتضى الهوى فعليك ان تعالجه وتلازم في إصلاحه واستقامته بالرياضات القالعة لعرق الأماني والآمال والمرادات المتعلقة بمستلذات الدنيا الفانية عن أصلها وتواظب على أشق الطاعات واتعب العبادات عن صوم الأيام ومشى الاقدام ومشق الأقلام وانقطاع صحبة الأنام والخروج من بين العوام والاعتزال نحو الجبال والآجام والعكوف في مطاوى الكهوف وخلال الخلوات والاشتغال بالميل والصلوات المقربة نحو الحق حتى تعتدل اوصافك واخلاقك وتستقيم افعالك واحوالك فحينئذ قد انكشف لك باب التوحيد وانفلق عليك وسد دونك مداخل الرياء

<<  <  ج: ص:  >  >>