للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليه مع ان الموكلين يسوقونهم ويدخلونهم فيها زجرا وقهرا

وَكيف يجدون مصرفا سواها ومن اين يتأتى لهم الانصراف اليوم إذ هم قد فوتوا على أنفسهم المنصرف وسبب الانصراف في النشأة الاولى مع انا لَقَدْ صَرَّفْنا وكررنا فِي هذَا الْقُرْآنِ المرشد الى الهداية الصارف عن مطلق الضلال والغواية لِلنَّاسِ المنهمكين في الغفلة والنسيان مِنْ كُلِّ مَثَلٍ اى من كل شيء مثلا موضحا ينبههم الى الهدى ويجنبهم عن الغفلة والهوى فلم يتنبهوا ولم يتفطنوا بل قابلوا الباطل بالحق معارضين وجادلوا مع اهل الحق معاندين مكابرين وَبالجملة كانَ الْإِنْسانُ المجبول على الكفران والنسيان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا اى جداله ومكابرته اكثر من جدال سائر المخلوقات وان كان رشده وإيمانه ايضا اكثر منها.

ثم قال سبحانه وَما مَنَعَ النَّاسَ عن قبول الايمان وما صرفهم عن أَنْ يُؤْمِنُوا يوقنوا ويصدقوا بالمعتقدات الدينية سيما إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى اى النبي الهادي المؤيد بالكتاب المعجز المرشد وَما صرفهم ايضا عن ان يَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ ويتوبوا نحوه عن ظهر القلب عقيب كل معصية صادرة عنهم نادمين عنها بلا إصرار وإدمان ليسقط عنهم الأخذ والانتقام الأخروي إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ وتحيط بهم سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ وما جرى عليهم من الإهلاك والاستئصال بغتة أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا اى أنواعا وأصنافا منه مترادفة متوالية كالكسف والخسف والمسخ وغير ذلك فيهلكهم على سبيل التدريج

وَبالجملة ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ بأنواع الفتوحات والفيوضات الروحانية والكشوفات والشهودات اللدنية النورانية وَمُنْذِرِينَ عن انواع العذاب والعقاب والنكبات والبليات المورثة لانواع الخذلان والخسران والطرد والحرمان والخلود في النيران وبالجملة ما نرسلهم الا إصلاحا لأحوال الأنام وإرشادا لهم الى سبل السّلام وحثا لهم الى سلوك طريق التوحيد المنجى عن ظلمات الشكوك والأوهام وَمع ذلك يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بالله مع رسل الله ويخاصمون معهم متشبثين بِالْباطِلِ الزائغ الزائل لِيُدْحِضُوا ويزيلوا بِهِ ويزلقوا بتمويهاتهم وأباطيلهم الْحَقَّ الحقيق الثابت المستقر المطابق للواقع عن مقره وَكذلك قد اتَّخَذُوا وأخذوا آياتِي الدالة على عظمة ذاتى ووفور حكمتى وكمال قدرتي وقوتي وَكذا عموم ما أُنْذِرُوا اى قد اتخذوا جميع ما اشتملت عليه الآيات من الإنذارات والتخويفات وانواع الوعيدات هُزُواً اى موضع استهزاء وسخرية ومحل هزل وضحك لذلك قد نسبوها الى ما لا يليق بشأنها من الشعر والسحر والأساطير الكاذبة وغير ذلك من الهذيانات الباطلة والأباطيل الزائغة افتراء ومراء

وَمَنْ أَظْلَمُ على الله وأسوأ أدبا بالنسبة اليه سبحانه مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ليتعظ بها ويصلح بسببها فَأَعْرَضَ عَنْها وانصرف عن سماعها فكيف عن قبولها وامتثالها استنكارا واستكبارا وَمع ذلك قد نَسِيَ ما قَدَّمَتْ اقترفت وكسبت يَداهُ من الجرائم والآثام وانواع الكفر والشرك والطغيان ولو اتعظوا بها وعملوا بمقتضاها لذهبت سيئاتهم وتضاعفت حسناتهم عناية من الله إياهم وكيف يتذكرون بها ولا يمكنهم التذكر إِنَّا بمقتضى قهرنا وسخطنا عليهم قد جَعَلْنا طبعنا وختمنا عَلى قُلُوبِهِمْ التي هي وعاء التذكر والقبول أَكِنَّةً حجبا غليظة كثيفة مانعة عن أَنْ يَفْقَهُوهُ اى القرآن ويفهموا معانيه ومقاصده فكيف غوامض رموزه وإشاراته وَقد طبعنا ايضا فِي آذانِهِمْ وَقْراً ثقلا وصمما يمنعهم عن الاستماع والإصغاء اليه فكيف عن فهمه والعمل به والامتثال بما فيه من الأوامر والنواهي وَ

<<  <  ج: ص:  >  >>