للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فردا وشخصا شخصا مع جميع العوارض المتعلقة بكل فرد وشخص ما داموا في هذه النشأة

وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً منفردا مفروزا عن عموم الأعوان والأنصار وجميع الأصحاب والخلان.

ثم قال سبحانه إِنَّ المؤمنين المنتخبين الَّذِينَ آمَنُوا بالله وأيقنوا بوحدة ذاته واطاعوا لرسله المؤيدين من عنده وامتثلوا بعموم ما جاءوا به من الأوامر والنواهي المبينة في الكتب الإلهية المنزلة عليهم وَمع ذلك قد عَمِلُوا الصَّالِحاتِ من الفرائض والنوافل المقربة نحو الحق طلبا لمرضاته وابتغاء لوجهه الكريم سَيَجْعَلُ ويحدث لَهُمُ الرَّحْمنُ المتكفل لجزائهم واثابتهم حسب سعة رحمته وجوده ووفور لطفه ومرحمته وُدًّا مودة ومحبة في قلوب عموم المؤمنين حتى يحبوهم ويتخنوا نحوهم بلا سبق الوسائل والأسباب العادية الموجبة لمودة البعض للبعض من الانعام والإحسان وانواع العطية والإكرام مثل محبة عموم عباد الله للبدلاء المنسلخين عن مقتضيات اللوازم البشرية مطلقا جعلنا الله من خدامهم وتراب اقدامهم. ثم قال سبحانه امتنانا على حبيبه صلى الله عليه وسلّم واشارة الى عظم رتبة القرآن الجامع لجميع المعارف والاحكام بعد ما بين في هذه السورة من معظمات مهام الدين من العبر والتذكيرات والأخلاق والآداب

فَإِنَّما يَسَّرْناهُ اى القرآن بِلِسانِكَ يا أكمل الرسل وسهلناه لك وأنزلناه على لغتك لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ الذين يحفظون نفوسهم. عن مخالفة ما أمروا ونهوا عنه بشارة عظيمة عناية من الله إياهم وفضلا الا وهي تحققهم بمقام الرضاء والفوز بشرف اللقاء وَتُنْذِرَ بِهِ اى بوعيداته وبأنواع العذاب المذكورة فيه على العصاة المنحرفين عن جادة العدالة الإلهية قَوْماً لُدًّا لدودا لجوجا مفرطين في اللداد والعناد مصرين على ما هم عليه من الفسق والفساد وَلا تبال يا أكرم الرسل بتماديهم في لددهم وعنادهم ولا تحزن من عتوهم وفسادهم

إذ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ اى قد أهلكنا كثيرا من الأقوام الماضية قد كانوا متمادين أمثالهم في الغي والضلال مصرين على المراء والجدال وبالجملة تأمل يا أكرم الرسل والتفت هَلْ تُحِسُّ وتشعر مِنْهُمْ اى من الأمم الهالكة مِنْ أَحَدٍ قد نجا وبقي سالما عن قبضة قدرتنا وسطوة قهرنا وغضبنا أَوْ هل تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً صوتا خفيا منهم تسمع أنت عن قبورهم ومدافنهم بل كلهم كأن لم يكونوا أصلا وبالجملة ما ذلك وأمثاله علينا بعزيز رب اختم عواقب أمورنا بالحسنى

خاتمة سورة مريم عليها السّلام

عليك ايها السالك المدبر المتأمل في الأسماء الحسنى الإلهية والمستكشف عن رموز صفاته الثبوتية والسلبية والجمالية والجلالية واللطفية والقهرية وجميع الأوصاف المتقابلة والمتماثلة الإلهية ان تتعمق وتتأمل في معنى اسم الرّحمن الذي قد كرره سبحانه في هذه السورة مرارا كثيرة وتتدبر فيه كي تصل وتنكشف الى ان مبدء عموم ما ظهر وما بطن وكان ويكون انما هو هذا الاسم المشير الى سعة رحمة الله ووفور فضله وجوده على مظاهره ومصنوعاته إذ به استوى سبحانه على عروش عموم الكوائن والفواسد وبه ظهر الجميع من كتم العدم وبالجملة ما من موجود محقق محسوس او مقدر مخطور الا وهو في حيطة هذا الاسم وتحت تربيته وتصرفه بحيث لو انقطع إمداده عن العالم طرفة عين لم يبق للعالم ظهور ووجود أصلا ومتى تحققت معنى هذا الاسم العظيم وتيقنت بشموله واحاطته بجميع المظاهر شمول عطف ولطف فزت بحقيقة قوله سبحانه ان كل من في السموات والأرض

<<  <  ج: ص:  >  >>