للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القضاء ومفوضا أمورك كلها اليه سبحانه على وجه التسليم والرضا متوجها بالعزيمة الخالصة نحو المولى حتى تكون مخاطبا بهذا الخطاب المستطاب في كل نفس من أنفاسك التي جرت عليك في عموم افعالك وحالاتك وبالجملة لا تغفل عن الله مطلقا تفز بتشريف أمثال هذه الخطابات العلية والكرامات السنية من الحق. جعلنا الله من زمرة المستيقظين المطمئنين بمنه وجوده

[سورة البلد]

[فاتحة سورة البلد]

لا يخفى على من وصل الى مقام القلب الذي هو عبارة عن البيت الحرام الحقيقي والكعبة المعنوية التي قد دحيت وبسطت من تحتها أراضي مطلق الاستعدادات وعموم القابليات وتوجهت نحوها زوار القوى والآلات من كل فج عميق ومرمى سحيق من بوادي الإمكان واودية الطبائع والأركان ان من وصل اليه وعكف حول بابه وتشرف بطوافه ووقف بين يدي الله ناويا الموت الإرادي محرما عن لوازم الطبيعة ومقتضيات الإمكان من ميقات الطلب والارادة الصادقة مغتسلا بزمزم التوبة والانابة تائبا عن الالتفات الى مطلق السوى والأغيار متجردا عن ثياب الغفلة وجلباب الاغترار ساعيا بين صفاء المحبة ومروة المودة الإلهية بكمال الشوق والذوق متوجها للوقوف الى عرفات اللاهوت متعريا عن عوارض عالم الناسوت ذابحا كبش نفسه تقربا الى الحي الذي لا يموت منخلعا عن جلباب البدن ولوازمه في منا الفناء معاملا مع الله في سوق البقاء طالبا لربح اللقاء حل له ان يقاتل عند الحرم الإلهي جنود الامارة وكفار القوى والآلات المانعة عن الوصول الى كعبة الذات وعن الوقوف عند عرفات الأسماء والصفات الى ان يغلب عليهم ويهلكهم ويصفى البيت العتيق الإلهي الذي هو عبارة عن قلب العارف الكامل عن أصنام مطلق الأحلام وأوثان عموم الأماني والآمال الحاصلة من الخيالات والأوهام لذلك رخص سبحانه لحبيبه صلى الله عليه وسلم القتال في حرم مكة شرفها الله مع ان الحرمة فيها مؤبدة فقال بعد ما تيمن بِسْمِ اللَّهِ الذي اختار لنفسه بيتا صوريا ليكون قبلة لأصحاب الصورة وبيتا معنويا ليكون وجهة لأرباب القلوب الصافية الرَّحْمنِ لعباده حيث يدعوهم الى كعبة المقصود الرَّحِيمِ لهم يوصلهم الى عرفات الوحدة وبيت معمور الوجود

[الآيات]

لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ الذي هو كعبة آمال ارباب الارادة والطلب ألا وهو السواد الأعظم اللاهوتى إذ لا حاجة في ثبوته ووضوحه الى القسم بالنسبة الى ارباب المعرفة واليقين بل اقسم لأصحاب الغفلة والضلال بهذا البلد يعنى مكة شرفها الله التي قد وضعت بيتا حراما لا يحل لاحد ان يفعل فيها شيأ من المحظورات والمباحات سيما القتل والصيد

وَمن جملة خواصك التي قد اصطفيناك وميزناك بها عن سائر الناس يا أكمل الرسل هي انه أَنْتَ حِلٌّ يعنى أنت لجمعك وكمال جامعيتك وحيازة مرتبتك عموم المراتب مستحل للتعرض خاصة القتل والأسر في الحرم بين عموم الناس لمزيد فضيلتك ومنزلتك عند الله وزيادة خصوصيتك بِهذَا الْبَلَدِ الذي حرم على عموم العباد وانما أحل لك ايضا ما أحل في ساعة من نهار لا أزيد منها وبعد تلك الساعة يحرم لك ايضا

وَوالِدٍ اى اقسم ايضا بالوالد الذي هو عبارة عن حقيقة آدم الصفي عليه السلام حسب ثبوته في فضاء عالم اللاهوت وَما وَلَدَ منه في عالم اللاهوت وما ولد منه في عالم الطبيعة بعد هبوطها الى مضيق الناسوت وبالجملة بحق هذه المقسمات العظام

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ اى أظهرنا نشأة ناسوته مغمورا فِي كَبَدٍ تعب ومشقة كثيرة شاغلة لعموم حواسه ومداركه

<<  <  ج: ص:  >  >>