للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ اى لوح القضاء فَهُمْ يَكْتُبُونَ منه جميع ما يحكمون به من الإقرار والإنكار وبه يستغنون عن تعليمك وارشادك لذلك يكذبونك وينكرون عليك وهم وان بالغوا في العناد والإنكار

فَاصْبِرْ أنت يا أكمل الرسل لِحُكْمِ رَبِّكَ وهو تأخير نصرتك عليهم وإمهالهم زمانا على حالهم ولا تستعجل في مؤاخذتهم وَلا تَكُنْ في الاستعجال كَصاحِبِ الْحُوتِ يعنى يونس بن متى صلوات الله عليه قد استعجل العذاب لقومه حين بالغوا في العصيان عليه وتكذيبه ثم لما ظهر اماراته خرج من بينهم مغاضبا عليهم حتى اقتحم البحر فساهم في السفينة فكان من المدهضين فالتقمه الحوت وهو حينئذ مليم نفسه اذكر إِذْ نادى ربه في بطن الحوت وَهُوَ حينئذ مَكْظُومٌ مملو غضبا وغيظا مبتلى بالبلاء العظيم

لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ وأدركته نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ يعنى لو لم يوفقه سبحانه على نعمة التوبة والانابة والرجوع الى الله على وجه الإخلاص والندامة لَنُبِذَ وطرح هو البتة بِالْعَراءِ اى الأرض الخالية من الشجر وَهُوَ حينئذ مَذْمُومٌ مليم مطرود من الرحمة والكرامة لكن قد أدركته العناية الإلهية وانفتح له باب التوبة والاستغفار على وجه الندم والانكسار فاستغفر ربه وتاب عليه واستجاب له تفضلا وامتنانا

فَاجْتَباهُ رَبُّهُ ايضا لمصلحة النبوة وقبله فأرسله مرة اخرى الى قومه فَجَعَلَهُ حسب فضله وطوله مِنَ الصَّالِحِينَ الكاملين في الصلاح الفائزين بالعصمة والفلاح اللائقين لشأن النبوة والهداية والإرشاد والتكميل

وَمن غلظ غيظهم معك يا أكمل الرسل وشدة شكيمتهم وضغينتهم بالنسبة إليك إِنْ يَكادُ انه يقرب الَّذِينَ كَفَرُوا بالله وستروا محامد أخلاقكم ومحاسن شيمكم لَيُزْلِقُونَكَ يا أكمل الرسل ويزيلونك عن الحياة بل يريدون ان يصرعوك ميتا على الأرض بِأَبْصارِهِمْ اى بحدة نظرهم نحوك حسدا عليك لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ اى حين سمعوا منك تلاوة القرآن المعجز معجبين من بدائع نظمه وغرائب أسلوبه وكمال فصاحته وبلاغته ومتانة تركيباته الفائقة على تراكيب عموم اللسن والفصاحة وعجائب معانيه التي قرعت اسماعهم لذلك قد حسدوا عليك خفية وقصدوا مقتك باصابة العين اللامّة وَان كانوا يَقُولُونَ عند الملأ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ يتكلم بكلام المجانين ما هو من جنس كلام الناس تلبيسا على ضعفاء الأنام وتغريرا لهم لئلا يتفطنوا على عظمة شأنك ورفعة قدرك ومكانك وهم في خلواتهم على ضنة تامة وحسد كامل مما صدر منك وظهر عنك من الخوارق

وَيقولون لك مجنون وينسبون كلامك الى الجنون ظاهرا مع انه ما هُوَ اى القرآن المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إِلَّا ذِكْرٌ اى محض هداية ورشد وتبصرة كاملة وتذكير شامل لِلْعالَمِينَ اى لعموم المكلفين ممن يوفقهم الحق الى صراط مستقيم. جعلنا الله ممن تذكر به واتعظ بما فيه بمنه وجوده

[خاتمة سورة ن]

عليك ايها المريد القاصد لسلوك طريق التوحيد هداك الله الى سواء السبيل ان تتصبر في مشاق الطاعات ومتاعب التكاليف الواقعة في سلوك طريق الفناء وسيما على اذيات اصحاب الزيغ والضلال المائلين عن سبيل الهداية والرشد المنحرفين عن جادة العدالة الإلهية فعليك ان لا تلتفت نحوهم ولا تبالي بشأنهم ولا تستعجل بانتقامهم فان ربك يكفى لك مؤنة شرورهم وبالجملة فعليك بالوقار والاصطبار والأمر بيد الله الحكيم الجبار القدير القهار فسينتقم قريبا عن اهل البغي والإنكار

<<  <  ج: ص:  >  >>