للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنفسهم بالعرض على عذاب الله وبالخروج عن مقتضى حدوده في ما أُتْرِفُوا فِيهِ اى المترفهون المتنعمون من ذوى اللذات والشهوات فاهتموا بتحصيل اسبابها وَكانُوا بميلهم الى مقتضيات الهوى واللذات الجسمانية مُجْرِمِينَ مستحقين لانواع العقوبات

وَما كانَ رَبُّكَ وليس من سنته وجرى عادته لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ اى بسبب شرك وكفر صدر عنهم وَأَهْلُها والحال ان أهلها مُصْلِحُونَ على الأرض لا مفسدون عليها يعنى لا يأخذهم سبحانه بمجرد حق الله بلا انضمام حقوق العباد اليه بل انما أخذهم الله حين فشا الفسوق والمراء وظهر الفساد والجدال بين العباد

كيف وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ من غاية لطفه لعباده بمقتضى جماله لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً متفقة على التوحيد بلا مخالفة منهم وَلكن قد اظهر وأوجد البعض بمقتضى الجمال والبعض الآخر بمقتضى القهر والجلال لذلك لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ في الهداية والضلالة والسعادة والشقاوة

إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وجعل فطرته على صرافة الوحدة وَلِذلِكَ التوحيد والعرفان قد خَلَقَهُمْ وأظهرهم سبحانه وَبالجملة قد تَمَّتْ وجرت كَلِمَةُ رَبِّكَ بوضع الاختلاف بين استعدادات عباده حسب شئونه وتجلياته بمقتضى أوصافه المتضادة وأسمائه المتقابلة بحسب الكمال لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ التي قد أعدت للأشقياء المردودين المنحرفين عن جادة العدالة الإلهية والقسط الحقيقي مِنَ الْجِنَّةِ اى الشياطين وَالنَّاسِ التابعين لهم والمقتفين أثرهم أَجْمَعِينَ من جنسهما جميعا

وَكُلًّا اى كل قصة نَقُصُّ عَلَيْكَ يا أكمل الرسل مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ العظام من جملة ما نُثَبِّتُ بِهِ ونقرر على مقر التوحيد فُؤادَكَ إذ بكل قصة من القصص المذكورة ينشرح صدرك لقبول التوحيد ونزول الوحدة الذاتية وَقد جاءَكَ وحصل لك فِي هذِهِ القصص الْحَقُّ اى الشهود الكامل والانكشاف التام المطابق للواقع خاصة وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ الذين يصدقونك ويقتفون اثرك

وَقُلْ يا أكمل الرسل لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بك وبدينك وكتابك مماراة لهم ومباهلة اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ اى عمل شئتم إِنَّا عامِلُونَ ايضا على مكانتنا وشأننا بتوفيق الله إيانا

وَانْتَظِرُوا باى شيء انتظرتم إِنَّا ايضا مُنْتَظِرُونَ بالعواقب

وَالغايات عند الله العالم بالسرائر والخفيات إذ لِلَّهِ خاصة لا لغيره من الوسائل والأسباب العادية غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والاطلاع عليهما وعلى مكنوناتهما وَإِلَيْهِ لا الى غير يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ إذ لا مرجع سواه ولا آمر الا هو فَاعْبُدْهُ يا أكمل الرسل حق عبادته وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ حق التوكل والتفويض وَما رَبُّكَ يا أكمل الرسل المحيط حضرة علمه بعموم ذرائر الأكوان احاطة حضور بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ من العبادة والإخلاص والتبتل والتوكل والرضا والتسليم وكذا من نقائضها

خاتمة سورة هود عليه السّلام

عليك ايها الموحد المحمدي المأمور بتهذيب الأخلاق من الرذائل والأوصاف من الذمائم والأفعال من القبائح والأقوال من الكواذب وعموم الأطوار من المخالفات المنافية لصرافة الوحدة ان تستقيم وتعتدل حسب عزائمك في هذه الأمور على الوجه المأمور لنبيك الذي هو قبلة جميع مقاصدك بقوله تعالى فاستقم كما أمرت واعتدل بجميع ما صدر عنك فلك ان تقتفى اثره صلّى الله عليه وسلّم

<<  <  ج: ص:  >  >>