للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجدادي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا وما صح وما جاز لنا معاشر الأنبياء والرسل أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ المتوحد بذاته وأوصافه وأسمائه المستقل في وجوده وحقيقته مِنْ شَيْءٍ لا وجود له أصلا سوى العكسية والظلية وبالجملة ذلِكَ الشهود والانكشاف مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ الذين قد أرسلنا إليهم وبعثنا بينهم وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ

الناسين حقوق نعم الله لا يَشْكُرُونَ نعمة الإرسال وبعثة الرسل ولا يواظبون على أداء شكرها ثم لما مهد يوسف عليه السّلام لصاحبيه طريق التوحيد ونبه عليهما السلوك عليه والتوجه نحوه اشارة الى دعوتهما اليه على سبيل التدريج كما هو دأب الأنبياء

فقال مناديا لهما ليقبلا على قبول مقوله يا صاحِبَيِ السِّجْنِ الساكنين فيه المصاحبين معى أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ متكثرون في العدد متماثلون في عدم القدرة والاختيار خَيْرٌ عندكم وأحق بعبادتكم وانقيادكم أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الأحد المتوحد في ذاته المستقل في ألوهيته وربوبيته المستغنى عن المظاهر مطلقا الْقَهَّارُ الغالب على جميع السوى والأغيار

واعلموا ايها الاخوان ان ما تَعْبُدُونَ أنتما ومن على دينكما في مصر من عبدة الالهة الباطلة مِنْ دُونِهِ اى من دون الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شريك له في الوجود أصلا ما هو إِلَّا أَسْماءً مطلقة على اظلال معدومة وعكوس موهومة قد سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ من تلقاء انفسكم آلهة ومعبودات مع انه ما أَنْزَلَ اللَّهُ المنزل للكتب المرسل للرسل بِها مِنْ سُلْطانٍ اى بشأن آلهتكم من حجة وبرهان عقلي او نقلي حتى تكون تمسكا لكم في اتخاذكم هؤلاء التماثيل آلهة مستحقة للعبادة والإطاعة إِنِ الْحُكْمُ وما الأمر المطلق والاستحقاق التام للاطاعة والانقياد وعبادة العباد إِلَّا لِلَّهِ المتردي برداء العظمة والكبرياء المتفرد بالجلال والبقاء المتوحد في البسطة والاستيلاء إذ هو المستحق بالعبادة وهو المستقل بالربوبية والألوهية وهو في ذاته هو ولا شيء سواه ولا اله الا هو مع انه قد أَمَرَ في عموم ما انزل على أنبيائه ورسله من الكتب والصحف أَلَّا تَعْبُدُوا ولا ترجعوا ايها الاظلال الهالكة والعكوس المستهلكة الباطلة إِلَّا إِيَّاهُ إذ به وبمد اظلال أوصافه وأسمائه قد ظهرت أشباحكم ولاحت تماثيلكم وأرواحكم فلا رجوع لكم الا اليه ذلِكَ اى طريق التوحيد الذاتي هو الدِّينُ الْقَيِّمُ الأقوم الأعدل الذي لا عوج فيه أصلا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لكثافة حجبهم وغلظ اغطيتهم واغشيتهم لا يَعْلَمُونَ ولا يفهمون سرّ سريان الوحدة في الكثرة لذلك حجبوا بالمظاهر المتكثرة عن الوحدة الظاهرة فانصرفوا عن طريق الحق الى الباطل الزاهق الزائل ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ثم لما دعاهما يوسف عليه السّلام الى الايمان والتوحيد ونبه عليهما طريقه اشتغل بتعبير الرؤيا

فقال مناديا لهما ايضا يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما وهو الشرابي فَيَسْقِي رَبَّهُ سيده خَمْراً على ما كان عليه بلا احتياج الى تأويل وَأَمَّا الْآخَرُ وهو الخباز فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ هذا ما ظهر لي في تأويل رؤياه بتوفيق الله إياي وبعد ما سمعا منه التأويل والتعبير قالا له قد كذبنا فيما قلنا لك واستعبرنا منك قال يوسف عليه السّلام قد قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ وحكم حكما مبرما على الوجه الذي ذكر في حضرة علم الله ولوح قضائه إذ الأمر الذي جرى على السنة الرسل والأنبياء لا بد وان يقع إذ لا جريان للكذب وعدم المطابق للواقع في ألسنتهم

وَحينئذ قالَ يوسف الصديق لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا وهو الشرابي اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ واذكر حالي وقصتي للملك

<<  <  ج: ص:  >  >>